(وتلاقوا) إخوانكم بعضكم بعضا بالشفقة والتلطف.
(وتحدثوا) بينكم يعني تكلموا بالحديث المرغب في أمر الآخرة والمنفر عن الدنيا.
(فإن الحديث جلاء للقلوب) في الصحاح: جلوت السيف جلاء بالكسر أي صقلته. وفي المغرب: الجلاء بالفتح والقصر وبالكسر والمد الإثمد لأنه يجلو البصر. والأول أصح. وفي النهاية الأثيرية: الجلاء بالكسر والمد الإثمد وقيل: هو بالفتح والمد والقصر ضرب من الكحل.
إذا عرفت هذا فنقول: هذه الاحتمالات الثلاثة تجري في الجلاء هنا، والحمل على الأول لكونه مصدرا بمعنى الصقال يعني «روشن ساختن» على سبيل المبالغة والتجوز في الجلاء، وجعله بمعنى اسم الفاعل يعني الصاقل وعلى الأخيرين على التشبيه بحذف الأداة للمبالغة، وهذا الحكم وإن كان واضحا عند الكاملين لكن فيه نوع خفاء عند القاصرين، فلذلك أشار إلى بيانه على وجه التمثيل تشبيها للمعقول بالمحسوس لقصد زيادة الايضاح بقوله:
(إن القلوب لترين) في الكنز: الرين والريون «زنگ گرفته شدن». وفي الصحاح: الرين الطبع والدنس، يقال: ران على قلبه ذنبه يرين رينا وريونا، أي غلب. قال أبو عبيدة في قوله تعالى: (بل ران على قلوبهم) أي غلب. وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى اسود القلب. وقال أبو عبيد: كلما غلبك فقد ران بك ورانك وران عليك.
أقول: وله أسباب من خارج كاشتغال الجوارح بالذنوب أو بما يليق الإتيان به وإن لم يكن ذنبا فإن لذلك تأثيرا عظيما في كدرة القلب وظلمته لما بينه وبين الظاهر من المناسبة التي توجب جريان أحدهما في الآخر، وأسباب من داخل كارتماس القلب في مفاسد العقائد الباطلة وانغماسه في اجاج الرذائل القاتلة فإن ذلك يوجب انكسافه وانظلامه قطعا ثم يتدرج ذلك في القوة بحسب قوة تلك الأسباب إلى حد يصير القلب سوادا محضا لا يقبل الاصلاح بعده أبدا، كما تشاهد في كثير من الفاسقين والمنكرين للحق.
(كما يرين السيف) بسبب من الأسباب الموجبة له، ومن جملة أسبابه عدم استعماله فيما هو الغرض منه.
(وجلاؤها الحديث) الجملة في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف أعني رينا، أو حال عن الفاعل والضمير راجع إلى القلب.
وفي بعض النسخ (جلاؤه الحديد)، والضمير في هذه النسخ راجع إلى السيف، فكما أن الحديد يجلو السيف كذلك الحديث يجلو القلب ويصقله ويزيل عنه الأقذار والأخباث ويجعله صافيا خالصا من الرين، إذ الحديث لاشتماله على الحقائق والمعارف وأحوال المبدأ والمعاد