الفضل، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.
يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة (1) والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغني، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.
يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين: أنهم قالوا: " ربنا لا تزغ قلوبنا (2) بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها.
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه.
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما عبد الله بشئ أفضل من العقل، وما تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير