يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه (1)، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله، أفسد عليه دينه ودنياه.
يا هشام كيف يزكو (2) عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك.
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله (3) اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله انسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة (4)، ومعزه من غير عشيرة.
يا هشام نصب الحق لطاعة الله (5)، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد (6)، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.
يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب، وترك الدنيا من