وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب (1)، تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور.
فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن وتعالى الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود ولا نعت محدود، سبحان الذي ليس له أول مبتدأ ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى، سبحانه هو كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، وحد الأشياء كلها عند خلقه، إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها، لم يحلل فيها فيقال:
هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال: هو منها بائن ولم يخل منها فيقال له: أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء ولا غوامض مكنون ظلم الدجى ولا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب وكل شئ منها بشئ محيط، والمحيط بما أحاط منها.
الواحد الاحد الصمد الذي لا يغيره صروف الأزمان ولا يتكأده (2) صنع شئ كان، إنما قال لما شاء: كن فكان، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ولا تعب ولا نصب وكل صانع شئ فمن شئ صنع والله لا من شئ صنع ما خلق وكل عالم فمن بعد جهل تعلم والله لم يجهل ولم يتعلم أحاط بالأشياء علما قبل كونها، فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل ان يكونها كعلمه بعد تكوينها، لم يكونها لتشديد سلطان ولا خوف من زوال ولا نقصان ولا استعانة على ضد مناو، ولا ند مكاثر، ولا شريك مكابر، لكن خلائق مربوبون وعباد داخرون (3).
فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة