لأنه لا بد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل القول بنسخ خبر خيبر لكونه معمولا به من جهة النبي صلى الله عليه وسلم إلى حين موته ثم من بعده إلى عصر التابعين فمتى كان نسخه؟ فأما حديث جابر في النهي عن المخابرة فيجب حمله على أحد الوجوه التي حمل عليها خبر رافع فإنه قد روى حديث خيبر أيضا فيجب الجمع بين حديثيه مهما أمكن ثم لو حمل على المزارعة لكان منسوخا بقصة خيبر لاستحالة نسخها كما ذكرنا وكذلك القول في حديث زيد بن ثابت، فإن قال أصحاب الشافعي تحمل أحاديثكم على الأرض التي بين النخيل وأحاديث النهي على الأرض البيضاء جمعا بينهما قلنا هذا بعيد لوجوه خمسة (أحدهما) أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأني منها أربعون الف وسق ليس فيها أرض بيضاء ويبعد أن يكون قد عاملهم على بعض الأرض دون بعض فينقل الرواة كلهم القصة على العموم من غير تفصيل مع الحاجة إليه (الثاني) أن ما يذكرونه من التأويل لا دليل عليه وما ذكرناه دلت عليه بعض الروايات وفسره رواية بما ذكرناه، وليس معهم سوى الجمع بين الأحاديث والجمع بينهما بحمل بعضها على ما فسره رواية به أولى من التحكم بما لا دليل عليه (الثالث) أن قولهم يفضى إلى تقييد كل واحد من الحديثين وما ذكرناه حمل لأحدهما على بعض محتملاته لاغير (الرابع) أن فيما ذكرناه موافقه عمل الخلفاء الراشدين وأهليهم وفقهاء الصحابة وهم أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ومعانيها فكان أولى من قول من خالفهم (الخامس) أن ما ذهبنا إليه مجمع عليه على ما رواه أبو جعفر رحمة الله عليه وما روي في مخالفته فقد بينا فساده فيكون هذا اجماع من الصحابة رضي الله عنهم
(٥٨٥)