شافعي لم يكن عليه في ذلك إثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وفي الذي أصيب في حديقته فمر به النبي صلى الله وسلم وهو ملزوم فأشار إلى غرمائه بالنصف فأخذوه منه، فإن فعل ذلك قاض اليوم جاز إذا كان على وجه الصلح والنظر لهما، وقد روى عبد الله بن كعب عن أبيه انه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما ثم نادى (يا كعب) قال لبيك يا رسول الله. فأشار إليه أن ضع الشطر من دينك. قال قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قم فاعطه) متفق عليه فأما إن منعه المقر حقه حتى يضع عنه بعضه فالصلح باطل لأنه صالح عن بعض ماله ببعضه وسواء كان بلفظ الصلح أو بلفظ الابراء أو الهبة المقرون بشرط مثل أن يقول أبرأتك من خمسمائة أو وهبتك بشرط أن تعطيني ما بقي، قال ابن أبي موسى الصلح على الاقرار هضم للحق فمتى ألزم المقر له ترك بعض حقه فتركه من غير طيب نفسه لم يطب لاحد، وإن تطوع المقر له باسقاط بعض حقه جاز غير أن ذلك ليس بصلح ولا من باب الصلح بسبيل فلم يجعله صلحا، ولم يسم الخرقي الصلح إلا في حال الانكار، فأما مع الاعتراف فإن قضاه من جنس حقه فهو وفاء وإن قضاء من غير جنسه فهو معاوضة وإن أبرأه من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة فلا يسمى صلحا وسماه القاضي وأصحابه صلحا وهو قول الشافعي. والخلاف في التسمية أما المعنى فمتفق عليه، وهو ينقسم إلى إبراء وهبة ومعاوضة وقد ذكرنا الابراء، فأما الهبة فهو أن يكون له في يده عين فيقول قد وهبتك نصفها وأعطني بقيتها فيصح ويعتبر له شروط الهبة، وإن أخرجه مخرج الشرط لم يصح وهذا مذهب الشافعي، لأنه إذا شرط في الهبة الوفاء جعل الهبة عوضا عن الوفاء فكأنه عاوض بعض حقه ببعض، فإن أبرأه من بعض الدين أو وهب له بعض العين بلفظ الصلح مثل أن يقول صالحني بنصف دينك علي أو بنصف دارك هذه، فيقول صالحتك بذلك لم يصح: ذكره القاضي وابن عقيل وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال أكثرهم يجوز الصلح لأنه إذا لم يجر بلفظه خرج عن أن يكون صلحا ولا يبقى له تعلق به أما إذا كان بلفظه سمي صلحا لوجود اللفظ وان تخلف المعنى كالهبة بشرط الثواب، وإنما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض أما مع عدمه فلا، وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى وقد يحصل هذا من غير عوض كالتمليك إذا كان بعوض سمي بيعا وان خلا عن العوض سمي هبة ولنا أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة لأنه إذا قال صالحني بهبة كذا أو على هبة كذا أو على نصف هذه العين ونحو هذا فقد أضاف إليه بالمقابلة فصار كقوله بعني بألف وان أضاف إليه على جرى مجرى الشرط كقوله (على أن تأجرني ثماني حجج) وقوله (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) وكلاهما لا يجوز بدليل ما لو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة، وقولهم انه يسمى صلحا
(٣)