خدعتنا، وذكر هذه الواقعة في الخانية. ثم قال: وإنما قال لهم ذلك احترازا عن قول أبي حنيفة فإن عنده كسر الملاهي يوجب الضمان وهذا دليل على ما مر من أن هبة المازح جائزة. كذا في فتاوى قاضيخان. والذي مر هو قوله رجل قال لآخر هب لي هذا الشئ مزاحا فقال وهبت وسلم. قال أبو نصر: إنما يجوز ذلك ا ه.
فهذه هبة صحيحة وقعت مزاحا، لان ابن المبارك بزهده وجلالة قدره لا يناسبه هبة الملاهي، فالظاهر أن ذلك وقع على سبيل المزاح، وكأنه أخذ الهزل من قولهم خدعتنا لأنهم لو وهبوه قصدا لم يروه خداعا منه وفيه تأمل لان الانسان يسمح بالهبة لمن يحتاج الشئ ولا يسمح به لمن يريد كسره، فقد رأوه خداعا لهم حيث أوهمهم أنه يستمنح كرمهم وهو يريد إزالة منكرهم، على أن فعل ابن المبارك لو سلم أنه كان على طريق الهزل ليس بحجة، بل لا بد له من دليل يستند إليه فليطلب ذلك الدليل. قوله: (بخلاف أطعمتك أرضي الخ) مفهوم قوله هذا الطعام. وقدمنا عن الهندية: لو قال منحتك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذه الجارية فهو إعارة. ولو قال منحتك هذا الطعام أو هذه الدراهم أو الدنانير وكل ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه يكون هبة. قوله: (فإنه عارية لرقبتها) بهجر الحقيقة لان الأرض لا تطعم، فهو كمسألة النخلة فإن اليمين تنعقد على ثمرتها وهنا التمليك ينعقد على منفعتها فيكون عارية. قوله: (وإطعام لغلتها) أي التي يزرعها المستعير كما تقدم ما يفيده.
قوله: (أو الإضافة الخ) معطوف على محذوف مأخوذ من الكلام السابق وهو قوله كوهبت الخ، فإن الافعال الثلاثة واقعة على الطعام وهو كل، فكأنه قال بإيجاب بإضافة الكل وهو المشار إليه بقوله كوهبت الخ أو الإضافة إلى ما يعبر به عن الكل. وظاهر عبارة المصنف أنه معطوف على مزاح.
والأوضح في التعبير ولو بالإضافة: أي ولو صدر الايجاب بالإضافة الخ. تأمل. قوله: (وجعلته لك) معطوف على مدخول الكاف في قوله كوهبت. قوله: (لان اللام للتمليك) ولأن الجعل عبارة عن التمليك. قاله قاضيخان. قوله: (بخلاف جعلته باسمك) فإنه يحتمل الهبة ويستعمله البياع كثيرا يريد إني خبأته لك البيع، وكذا هي لك حلال يحتمل أن يكون بالعارية أو الهبة أو البيع، فلا تثبت الهبة مع الاحتمال إلا بالقرينة، وهي التي عناها بقوله إلا أن يكون الخ.
قال في البحر: قيد بقوله لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة، ولهذا قال في الخلاصة: لو غرس لابنه كرما إن قال جعلته لابني يكون هبة، ولو باسم ابني لا يكون هبة. ولو قال اغرس باسم ابني فالامر متردد وهو إلى الصحة أقرب. ا ه.
قال في المنح: وفي الخانية: قال جعلته لابني فلان يكون هبة لان الجعل عبارة عن التمليك وإن قال اغرسه باسم ابني لا يكون هبة، وإن قال جعلته باسم ابني يكون هبة، لان الناس يريدون به التمليك والهبة ا ه. وفيه مخالفة لما في الخلاصة كما لا يخفى.
قال الرملي في حاشية المنح: ما في الخانية أقرب لعرف الناس ا ه. ورأيت في الولوالجية ما نصه: رجل له ابن صغير فغرس كرما له فهذا على ثلاثة أوجه: إن قال اغرس هذا الكرم باسم ابني فلان أو قال جعلته لابني فلان هبة لان الجعل إثبات فيكون تمليكا، وإن قال جعلته باسم ابني فالامر