صحيحه هذا الحديث ثم قال ترك عليه السلام قبوله منه لأنه علم باعلام الله إياه انه كاذب في قوله فلم يقبل ذلك منه في اسره كما كان يقبل مثله من مثله إذا لم يكن أسيرا فاما اليوم فقد انقطع الوحي فإذا قال الحربي إني مسلم قبل منه ورفع عنه السيف سواء كان أسيرا أو محاربا وفى شرح مسلم للقرطبي قوله إني مسلم ظاهره انه صار مسلما بدخوله في دين الاسلام وظاهر قوله عليه السلام انه لم يقبل ذلك منه لما اجابه بقوله لو قلتها وأنت تملك امرك أفلحت وحينئذ يلزم منه اشكال عظيم فان ظاهره انه لم يقبل اسلامه لأنه أسير مغلوب عليه لا يملك نفسه وعلى هذا فلا يصح اسلام الأسير في حال كونه أسيرا وصحة اسلامه معلوم من الشريعة لا يختلف فيه غير أن اسلامه لا يزيل ملك مالكه بوجه وهو أيضا معلوم من الشرع ولما ظهر هذا الاشكال اختلفوا في الانفصال عنه فقال بعض العلماء ممكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله انه لا يصدق في ذلك بالوحي ولذلك لما سأله في المرة الثانية فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك - وقال بعضهم بل اسلامه صحيح وليس فيه ما يدل على أنه رد اسلامه فاما قوله لو قلت وأنت تملك امرك أفلحت - أي لو قلت كلمة الاسلام قبل ان تؤسر لبقيت حرا من أحرار المسلمين لك ما لهم من الحرية في الدنيا وثواب الجنة في الآخرة وإذا قلتها وأنت أسير فان حكم الرق لا يزول عنك باسلامك - فان قيل - فلو كان مسلما فكيف يفادى به من الكفار رجلان مسلمان - فالجواب انه ليس في الحديث نص على أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر فيمكن ان يقال إنما فدى بالرجلين من الرق واعتق منه بسبب ذلك وبقى مع المسلمين حرا من الأحرار - وفى شرح مسلم لما زرى ومما يسأل عنه من هذا الحديث ان يقال كيف قال له إني مسلم ثم فادى به ومن اظهر الاسلام قبل منه من غير بحث عن باطنه وقد وقع في أحاديث كثيرة الاخذ بالظواهر في هذا والبينة على أنه لم يؤمر أن يبحث عما في قلوب الناس قيل اما الشافعي فإنه أباح في أحد قوليه المفاداة بالأسير إذا أسلم ورأي أنه لما كان للامام قبل اسلامه الخيار في المفاداة به لم يسقط هذا الخيار في ذلك بعد اسلامه ويحتج بهذا الحديث واما أصحابنا القائلون ان حكم الأسر إذا أسلم ان يسترق فإنهم قد يعتذرون عن المفاداة بهذا بأن يقولوا يمكن أن يكون هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذا الرجل أوحى إليه انه غير مؤمن وانه مستاح ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم بعد هذا لما سأله ان يطعمه ويسقيه هذه حاجتك -
(٧٣)