أيضا ومنهم من قال هما سواء واستدلوا بقوله عليه السلام الطاعم الشاكر كالجائع الصابر ولان الله تعالى اثنى في كتابه على عبدين وأثنى على كل واحد منهم بنعم العبد أحدهما بنعم عليه فشكر وهو داود قال الله ووهبنا لداود الآية والآخر ابتلى فصبر وهو أيوب عليه السلام قال الله تعالى انا وجدناه صابرا الآية فعرفنا انهما سواء ومنهم من قال الشكر على الغنى أفضل لقوله عليه السلام الحمد لله على كل نعمة وقال عليه السلام لو أن جميع الدنيا صارت لقمة فتناولها عبد وقال الحمد لله رب العالمين كان بما أتى به خيرا مما أوتى يعنى لما في هذه الكلمة من الثناء على الله تعالى وتبين بالحديث الأول ان الشكر يكون بالثناء علي الله تعالى فكان أفضل من الصبر والدليل عليه قوله تعالى اعملوا آل داود شكرا وهذا يعم جميع الطاعات ولا شك ان ما يعم جميع الطاعات فهو أعلى الدرجات وذلك لا يوجد في الصبر على الفقر والمذهب عندنا ان الصبر على الفقر أفضل قال عليه السلام الصبر نصف الايمان * وقال عليه السلام الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ولان في الفقر معنى الابتلاء والصبر على الابتلاء يكون أفضل من الشكر على النعمة يعتبر هذا بسائر أنواع الابتلاء فان الصبر على ألم المرض يكون أعظم في الثواب من الشكر على صحة البدن وكذلك الصبر على العمى أفضل من الشكر على البصر قال عليه السلام فيما يأثر عن ربه عز وجل من أخذت كريمته وصبر على ذلك فلا جزاء له عندي الا الجنة أو قال الجنة والرؤية وهذا الفقه وهو أن للمؤمن ثوابا في نفس المصيبة قال عليه السلام يؤجر المؤمن في كل شئ حتى الشوكة تشاكه في رجله * والدليل عليه أن ماعزا رضي الله عنه حين أصابه حر الحجارة هرب وكان ذلك منه نوع اضطراب ثم مع ذلك قال فيه رسول الله لقد تاب توبة لو قسمت توبته على جميع أهل الأرض لوسعتهم فعرفنا أن نفس المصيبة للمؤمن ثواب وفى الصبر عليها ثواب أيضا فاما نفس المغنى فلا ثواب فيه وإنما الثواب في الشكر علي الغنى وما ينال به الثواب من الوجهين يكون أعلى مما ينال فيه الثواب من وجه واحد وكما أن في الشكر على الغنى ثناء على الله تعالى ففي الصبر على المصيبة كذا لقوله تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية وحكى أن غنيا وفقيرا تناظرا في هذه المسألة فقال الغني الشاكر انا أفضل فان الله تعالى استقرض من الأغنياء فقال عز وجل من ذا الذي يقرض الله الآية * وقال الفقير ان الله تعالى إنما استقرض من الأغنياء للفقراء وقد يستقرض من الخبيث وغير الخبيث ولا يستقرض الا الاجل يوضحه ان الغنى يحتاج إلى الفقير ولا يحتاج الفقير إلى الغني لان الغنى يلزمه
(٢٥٥)