في انعقاد بيع السكران غير المميز لأنه يقتضي أن هناك طريقة تحكى عن المذهب أو عن المشهور فيه أن بيعه منعقد، وقد علمت أن طريقة الباجي وابن رشد أنه كالمجنون فلا ينعقد بيعه اتفاقا، وطريقة ابن شعبان أن فيه خلافا، والمشهور عدم الانعقاد إلا أن يكون مراد المصنف حكاية اختلاف الطريقين في عدم الانعقاد، هل ذلك باتفاق أو على المشهور، لكنه خلاف عادته ولا كبير فائدة فيه لأن غرض كتابه بيان المعتمد في المذهب وهو أيضا خلاف ما يفهم من كلامه في التوضيح. ولا يقال يصح التردد على طريقة من يحكي الخلاف في بيع السكران مطلقا من غير تفصيل بين المميز وغيره كاللخمي وابن بشير فإنهما ذكرا في كتاب الايمان بالطلاق في ذلك قولين ونقلهما ابن عرفة هنا عن اللخمي لأنا نقول: إنما حكى اللخمي وابن بشير الخلاف في اللزوم لا في الانعقاد. ثم إنهما ذكرا أن الأكثر على عدم اللزوم ولم يتكلما على عدم الانعقاد والله أعلم.
فتحصل من هذا أن المعتمد من المذهب عدم انعقاد بيع السكران غير المميز، فلو أسقط المصنف قوله: إلا بسكر فتردد لكان أحسن وأخصر. وإذا لم ينعقد بيعه وشراؤه لم يلزمه. والشاذ انعقاد بيعه ولزومه كما ذكره في التوضيح. وأما السكران المميز فلا خلاف في انعقاد بيعه، وإنما اختلفت الطرف في لزومه، فحكى ابن رشد الخلاف في ذلك قال: وقول مالك وعامة أصحابه أنه لا يلزمه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، وعزاه في المعلم لجمهور أصحابنا. قال في التوضيح: وعلى طريق ابن شعبان والقاضي عياض لا خلاف في لزومه.
قلت: وفي عزوه ذلك للقاضي عياض نظر فليتأمل، والظاهر من كلام أهل المذهب عدم اللزوم كما قال ابن رشد والله أعلم.
الثاني: قال ابن عرفة: السكران بغير حمر كالمجنون انتهى.
قلت: وهذا إذا شرب شيئا مباحا أو تداوى به ولم يعلم أنه يسكره، وأما إذا شربه وهو عالم بإسكاره فلا فرق بين الخمر وغيرها كما تقدم في الطلاق والله أعلم.
الثالث: ما تقدم من عدم انعقاد بيع المجنون هو الذي صرح به ابن شاس في الجواهر وابن راشد في المذهب والمصنف في التوضيح وغير واحد. وقال ابن عرفة: عقد المجنون حال جنونه ينظر له السلطان بالأصلح في إتمامه وفسخه إن كان مع من يلزمه عقده لقولها:
من جن في أيام الخيار نظر له السلطان. ولسماع عيسى بن القاسم: إن باع مريض ليس في عقله فله أو لوارثه إلزامه المبتاع. ابن رشد: لأنه ليس بيعا فاسدا كبيع السكران على قول من لا يلزمه بيعه اه.
قلت: في استشهاده بمسألة المدونة نظر، لأن الجنون إنما طرأ فيها بعد العقد، وأما