مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٦ - الصفحة ٣٣
أراد الرجوع فيه وادعى أنه لا يعرف قدر ما عقده من ذلك على نفسه من أجل سكره، وذلك إذا أقر له خصمه بما ادعاه. وأما إن أنكره فلا يصدق ويلزمه النكاح إلا أن تكون له بينة أنه كان سكرانا لا يعقل.
واختلف إن قالت البينة إنها رأت منه اختلاطا ولتثبت الشهادة بسكره على قولين:
أنه يحلف ولا يلزمه النكاح ورواه زياد عن مالك وقاله في المبسوط، ومثله المريض يطلق ثم يدعي أنه لم يكن في عقله على ما في سماع ابن القاسم من طلاق السنة والايمان والطلاق.
والثاني: أنه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح، وهو دليل قول أشهب في هذه الرواية وقول سحنون: ولا يجوز نكاحه ولا بيعه ولا هبته ولا إقراره بالدين. معناه أنه لا يلزمه شئ من ذلك وله أن يرجع عنه إذا ما أفاق على ما بيناه من مذهب مالك. وقوله:
الكتابة والتدبير كالعتق والحدود في لزومه إياه صحيح على مذهب مالك، وأما وصيته بالعتق وغيره فالصحيح على مذهب مالك أنها جائزة على القول الذي رجع إليه سحنون لأن حكم وصيته حكم ما عقده على نفسه من البيع وغيره، ولا يقال في شئ من ذلك على مذهب مالك أنه غير منعقد عليه وإنما يقال فيه على مذهبه أنه غير لازم له إن أراد الرجوع فيه إذا ما أفاق من سكره، فإذا لم يرجع في وصيته حتى مات وجب أن تنفذ كما تنفذ وصية الصحيح وقول سحنون غلط. انتهى باختصار وأكثره باللفظ. وكلام صاحب الاكمال أصله للمازري وهو يقتضي أنه إنما تكلم على من معه بقية من عقله. قال في كتاب البيوع من المعلم: وأما بياعاته ففيها عندنا قولان: جمهور أصحابنا على أنه لا يلزمه لأنه بسكره نقص ميزه في معرفته بالمصالح كالسفيه والسفيه لا يلزمه بيعه. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه تلزمه بياعاته انتهى. وقال الباجي في المنتقى بعد أن ذكر لفظ الموطأ بلزوم السكران طلاقه.
والذي عندي في هذا أن السكران المذكور لا يذهب عقله جملة وإنما يتغير مع صحة قصده إلى ما يقصده، وأما إن بلغ إلى حد يغمى عليه ولا يبقى له عقل جملة فلا يصح منه نطق إذا بلغ هذه الحالة ولا يتهيأ منه ضرب ولا قصد إلى قتل ولا غيره، وإنما تكلم الفقهاء على المعتاد من سكر الخمر أنه ليس كالجنون الذي يذهب العقل جملة وإنما يتغير العقل تغيرا يجتزئ على معان لا يجتزئ عليها صاحيا كالسفيه، ولو علم أنه بلغ إلى حد الاغماء لما اقتص منه ولا لزمه طلاق ولا غيره كسائر من أغمي عليه انتهى.
إذا علم ذلك فالذي يظهر من كلامهم أن السكران الذي لا تمييز عنده كالمجنون اتفاقا. وهو الذي عزاه ابن عرفة للباجي وابن رشد ونصه ابن رشد والباجي: إن لم يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فكالمجنون اتفاقا، وإن كان له بقية من عقله فالقولان أي في لزوم البيع لا في انعقاده، وإذا علم هذا فيشكل ما ذكره المصنف من التردد
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست