مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٢٢
لا يبتدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع). قال النووي في شرح المهذب: روينا هذه الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي قال: ورويناه فيه من رواية كعب عن مالك والمشهور من رواية أبي هريرة. قال النووي: وهو حديث حسن رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي وأبو عوانة في صحيحه المخرج على صحيح مسلم وروى موصولا ومرسلا، ورواية الموصول إسنادها جيد انتهى. وفى رواية في مسند الإمام أحمد (كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر) أو قال (أقطع) على التردد. ولا يقال البداءة حقيقة إنما هي بالبسملة، لأنا نقول الابتداء محمول على العرفي الذي يعتبر ممتدا من أول الخطبة إلى حين الشروع في المقصود. والحمد لغة الوصف بالجميل على جهة التعظيم سواء كان في مقابلة نعمة أولا. وعلم من قولنا: الوصف أنه لا يكون إلا بالكلام فمورده أي محله خاص ومتعلقه عام أي السبب الباعث عليه عام. والشكر لغة فعل ينبئ عن تعظيم المعم بسبب إنعامه على الشاكر وحذف بعضهم هذا القيد، ويكون باللسان والجنان والأركان، فالشكر باللسان أن يثنى على المنعم، والشكر بالقلب أن يعتقد اتصافه بصفات الكمال وأنه ولى النعمة، والشكر بالجوارح أن يجهد نفسه في طاعته، فمتعلق الشكر خاص ومورده عام، فبينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه. والجمد عرفا هو الشكر لغد لكن بحذف قولنا على الشاكر، والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع والبصر وغير هما لما خلق له، فالنسبة بين الحمدين عموم وخصوص من وجه، وبين الشكرين عموم وخصوص مطلق، وكذا بين الشكر العرفي والحمد اللغوي، وبين الحمد العرفي والشكر اللغوي إن قيدت النعمة في الحمد اللغوي بوصولها إلى الشاكر كما مر، وإذا لم تقيد كانا متحدين. وأل في (الحمد) للاستغراق وقيل: للجنس.
وحكى عن الشيخ أبى العباس المرسي نفعنا الله به أنه قال: قلت لابن النحاس النحوي: ما تقول في الألف واللام في (الحمد لله) أجنسية هي أم عهدية؟ فقال: يا سيدي قالوا: إنها جنسية، فقلت له: الذي أقول إنها عهدية وذلك أن الله لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في الأزل نيابة عن خلقه قبل أن يحمدوه، ثم أمرهم أن يحمدوه بذلك الحمد. فقال:
يا سيدي أشهدك أنها عهدية. وهذا معنى حسن. واختار المصنف الجملة الإسمية لأنها مفتتح الكتاب العزيز، ولأنها تدل على الدوام والثبوت فهي التي تناسب قوله: (ما تزايد من النعم).
فإن قيل: حمد العباد حادث والله تعالى قديم ولا يجوز قيام الحادث بالقديم، فما معنى حمد العباد له تعالى؟ فالجواب أن المراد تعلق الحمد ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلوم.
وقوله (حمدا) مصدر نوعي. ومعنى يوافي يلاقي أي كلما زادت نعمة لاقاها حمد فيكون ذلك سببا للمزيد. وقال بعض المتأخرين: معناه يفي بها ويقوم بحقها وفيه نظر لعجز المخلوق
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست