مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٨
منزلة القاصر. قال الهمداني في إعراب القرآن: وأهل الحجاز وبنو أسد يقولون: رحيم ورغيف وبعير بفتح أوائلهن، وقيس وربيعة وتميم يقولون: رحيم ورغيف وبعير بكسر أوائلهن. واختلف في تفسير الرحمة فقيل: هي رقة وانعطاف تقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها، فهي في حق الله مجاز عن الأنعام. قال الرازي: إذا وصف الله تعالى بأمر ولم يصح وصفه بمعناه يحمل على هذا القول حقيقة وهي حينئذ صفة ذات. قال الطيبي: وكلا القولين منقول. وذكر السمين في إعرابه الزمخشري من الاعتزال في تفسير القرآن العزيز وقال: إنه مذهب المعتزلة ونصه قوله في وصف الله تعالى بالرحمة أنه مجاز اعتزال وضلال بإجماع الأمة، فإن الأمة أجمعت على أن الله تعالى رحيم على الحقيقة، وإن من نفى عنه حقيقة الرحمة فإنه كافر. وإنما قلا الزمخشري ذلك لأن الرحمة عند المعتزلة رقة وتغير، ولأنهم ينكرون الإرادة القديمة ويصرفون رحمة الله سبحانه إلى الأفعال، وإلى إرادة حادثة لله. تعالى الله عن قولهم. ثم قال: ولم يعلموا أن الرحمة ليست سوى إرادة الخير وليست الرقة، وإنما الرقة صفة أخرى، تارة تصاحب الإرادة، وتارة لا تصاحبها وأطال في ذلك.
قلت: كلام الصحاح نحو كلام الزمخشري وقد تبع الزمخشري على تفسير الرحمة بما ذكر جماعة منهم القاضي ناصر الدين البيضاوي والشيخ ابن عرفة، بل نقل الأبي في تفسيره عن الشيخ ابن عرفة أنه قال: كل مجاز له حقيقة إلا هذا يعنى الرحمن، فإن الرحمة العطف والتثني وذلك إنما هو حقيقة له انتهى. وكلام الآبي هذا يقتضى أن المراد بالانعطاف الانعطاف الجسماني وليس كذلك، إنما المراد الانعطاف النفساني. والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبا فلذلك يقال: يا رحمن الدنيا لأنه يعم الكافر والمؤمن، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن. وإنما قدم الرحمن والقياس يقتضي الترقي لتقدم رحمة الدنيا، ولأنه صار كالعلم فلا يوصف به غيره تعالى بل قيل: إنه علم وهو اسم مقتض لإيجاد الخلق فلذلك لا يسمى به غير الحق ومن تسمى به هلك. والرحيم مقتض لإمداد الخلق بقوام وجودهم، ويجوز إطلاقه على المخلوق لأن الإمداد يصح في حقهم ولذلك وجب شكرهم على ما وصل منهم فائدتان: الأولى حيث ذكر الاشتقاق في أسماء الله تعالى فالمراد منه أن المعنى المذكور
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست