مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٢٧
على المنع من أكلها فاختار القرافي أنها من المخدرات قال: لأني لم أرهم يميلون إلى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة، وربما عرض لهم البكاء. وكان شيخنا الشهير بعبد الله المنوفي يختار أنها من المسكرات لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها، ولولا أن لهم فيها طربا لما فعلوا ذلك. يبين ذلك أنا لا نجد أحدا يبيع داره ليأكل بها سيكرانا وهو واضح انتهى كلام التوضيح.
ولفظ القرافي في الحشيشة أنها مفسدة لا مسكرة، وبهذا الفرق يندفع ما أورده بعضهم على قوله إلا المسكر من شموله للنبات المغيب للعقل كالبنج والسيكران فإنها مفسدات أو مرقدات لا مسكرات. وذلك البرزلي عن القرافي في الحشيشة ثلاثة أقوال، ثالثها بالفرق بين أن تحمس فتكون نجسة وفيها الحد، وقبل أن تحمس فلا حد ولا نجاسة، واختار القرافي في الفرق الموفي أربعين أنه لا حد فيها وإنما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة قال: ولا تبطل الصلاة بحملها. ثم ذكر أن الأفيون من المفسدات وقال: من صلى به أو بالبنج لم تفسد صلاته إجماعا، وكذا غيره من المفسدات قال: كأن يتناول من الأفيون والبنج والسيكران ما لا يصل إلى التأثير في العقل والحواس انتهى.
قلت: فعلى هذا يجوز لمن ابتلي بأكل الأفيون وصار يخاف على نفسه الموت من تركه إن يستعمل منه القدر الذي لا يؤثر في عقله وحواسه ويسعى في تقليل ذلك وقطعه جهده، ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى والله أعلم.
فرع: قال ابن فرحون: وأما العقاقير الهندية فإن أكلت لما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها، وإن أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم ولا يحرم منها إلا ما أفسد العقل. وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والنبج والسيكران من المفسدات قليلها جائز وحكمها الطهارة. وقال البرزلي: أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ، واشترط بعضهم أن تخلط مع الأدوية والصواب العموم انتهى. والشيكران بالشين المعجمة وضبطه بعضهم بالسين المهملة وضم الكاف.
فرع: قال ابن فرحون: من اللبن نوع يغطي العقل إذا صار قارصا ويحدث نوعا من السكر كما يذكر عن لبن الخيل فإن شرب لذلك حرم ويحرم منه القدر الذي يغطي العقل انتهى.
قلت: أما لبن الخيل فيحرم قليله وكثيره على المشهور لحرمة أكلها والله أعلم. ومن المفسدات الحب الذي يوجد في القمح المجلوب من دهلك المسمى بالزيوان.
فرع: قال ابن فرحون أيضا: والظاهر جواز ما سقي من المرقد لقطع عضو ونحوه لان ضرر المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون.
فرع: مقتضى ما تقدم جواز بيع هذه الأشياء من الأفيون والبنج والجوزة ونحوها ولم أر فيه نصا صريحا. والظاهر أن يقال في ذلك كما قال ابن رشد في المذر على القول بحرمة أكله إن كان فيه منفعة غير الاكل جاز بيعه ممن يصرفه في غير الاكل ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله،
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست