ويكفي تحريم القذف سببا للرد، وشاهد الزور يستبرئ، كسائر الفسقة فإذا ظهر صلاحه، قبلت شهادته في غير تلك الواقعة، ومن غلط في شهادة لا يشترط استبراؤه، وتقبل شهادته في غير واقعة الغلط، ولا تقبل فيها.
قلت: التوبة من أصول الاسلام المهمة، وقواعد الدين، وأول منازل السالكين، قال الله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون) * فالتوبة من المعصية واجبة على الفور بالاتفاق، وقد تقدمت صفتها، وتصح التوبة من ذنب وإن كان ملابسا ذنبا آخر مصرا عليه، ولو تاب من ذنب، ثم فعله مرة أخرى، لم تبطل التوبة، بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول. ولو تكررت التوبة، ومعاودة الذنب، صحت، هذا مذهب الحق في المسلمين خلافا للمعتزلة. قال إمام الحرمين في الارشاد: والقتل الموجب للقود تصح التوبة منه قبل تسليم القاتل نفسه ليقتص منه، فإذا ندم، صحت توبته في حق الله تعالى، وكان منعه القصاص من مستحقه معصية مجددة، ولا يقدح في التوبة، بل يقتضي توبة منها، ومن تاب عن معصية ثم ذكرها قال الامام القاضي أبو بكر بن الباقلاني رحمه الله: يجب عليه تجديد الندم عليها كلما ذكرها إذ لو لم يندم، لكان مستهينا بها، وذلك ينافي الندم. واختار إمام الحرمين أنه لا يجب، ولا يلزم من ذكرها بلا ندم الاستهانة، بل قد يذكر، ويعرض عنها. قال القاضي: وإذا لم يجدد التوبة كان ذلك معصية جديدة، والتوبة الأولى صحيحة، لأن العبادة الماضية لا ينقضها شئ بعد فراغها، قال: فيجب تجديد توبة عن تلك المعصية، وتجب توبة من ترك التوبة إذا حكمنا بوجوبها. قال الامام: وإذا أسلم الكافر، فليس إسلامه توبة عن كفره، وإنما توبته ندمه على كفره، ولا يتصور أن يؤمن ولا يندم على كفره، بل تجب مقارنة الايمان للندم على الكفر، ثم وزر الكفر يسقط بالايمان، والندم على الكفر بالاجماع، هذا مقطوع، وما سواه من ضروب التوبة، فقبوله مظنون غير مقطوع به، وقد أجمعت الأمة على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره، صحت توبته، وإن استدام معاصي