منهم أصلا يتبع كما تتبع السنة لأنه إذا أجاز الاجتهاد على غير أصل لم يزل ذلك به في نفسه ورآه حقا له وجب عليه أن يأمر الناس باتباع الحق وهذا خلاف القرآن لأن الله عز وجل فرض عليهم فيه اتباعه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وزاد قائل هذا واتباع نفسك فأقام الناس في هذا الموضع مقاما عظيما بغير شئ جعله الله تعالى لهم ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعدا أن يحكم في بني قريظة فحكم برأيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وافقت حكم الله عز وجل فيهم) ففي هذا دليل على أنه إنما قال برأيه فوافق الحكم على غير أصل كان عنده من النبي صلى الله عليه وسلم وأن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرج لهم حوت من البحر ميت فأكلوه ثم سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (هل بقي معكم من لحمه شئ؟) ففي هذا دليل على أنهم إنما أكلوه يومئذ برأي أنفسهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله وسراياه ويأمر الناس بطاعتهم ما أطاعوا الله وقد فعل بعضهم شيئا في بعض مغازيهم فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الرجل الذي لاذ بالشجرة فأحرقوه والذي أمر الرجل أن يلقى نفسه في النار والذي جاء بالهدية وكل هذا فعلوه برأيهم فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجل الذي قال أسلمت لله فقتل فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل له فما احتججت من هذا يشبه أنه لنا دونك. أما أو لا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لسراياه وأمرائه بطاعة الله عز وجل ورسوله واتباعهما وأمره من أمر عليهم أمراء أن يطيعوهم ما أطاعوا الله فإذا عصوا الله عز وجل فلا طاعة لهم عليهم ففي نفس ما احتججت به أنه إنما أمر الناس بطاعة الله وطاعة أمرائهم إذا كانوا مطيعين لله فإذا عصوا فلا طاعة لهم عليكم وفيه أنه كره لهم كل شئ فعلوه برأي أنفسهم من الحرق والقتل وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل إلا ما احتججت به أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لهم ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان لنا فيه كفاية وإن قيل فقد أجاز رأى سعد في بني قريظة ورأي الذين أكلوا الحوت على غير أصل. قيل أجازه لصوابه كما يجيز رأى كل من رأى ممن يعلم أو لا يعلم إذا كان بحضرته من يعلم خطأه وصوابه فيجيزه من يعلم ذلك منه إذا أصاب الحق بمعنى إجازته له أنه الحق لا بمعنى رأى نفسه منفردا دون علمك لأن رأى ذي الرأي على غير أصل قد يصيب وقد يخطئ ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال تعالى (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) فأما من كان رأيه خطأ أو صوابا فلا يؤمر أحد باتباعه ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ وأقامه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فرض الله اتباعه فإن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه وإن كان غيبا علم هذا حتى يرجع. فإن قيل فما معنى قوله له (احكم) قيل مثل قوله عز وجل (وشاورهم في الامر) على معنى استطابة أنفس المستشارين أو المستشار منهم والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلى مشورة أحد والله عز وجل يؤيده بنصره بل لله ورسوله المن والطول على جميع الخلق وبجميع الخلق الحاجة إلى الله عز وجل فيحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم له (احكم) على هذا المعنى وأن يكون قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في مثل هذا فحكم على مثلها أو يحكم فيوفقه الله تعالى ذكره لأمر رسوله فيعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم صواب ذلك فيقره عليه أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في
(٢١٨)