إن العسير بها داء مخامرها * فشطرها بصر العينين مسحور (1)
(١) روايات نسخ الرسالة في هذا البيت مختلفة: فرواية ج:
(إن العسيب تهادى في مخامرها * فشطرها بصر العينين مسجور) وهو خطأ صرف. ورواية:
(غن العسير بها داء يخامرها * فشطرها بصر العينين محسور) وانا أرجح ان هذا تصرف من مصححي المطبعة الأميرية ببولاق، ليوافقوا به بعض ما رأوه في كتب اللغة. ورواية س موافقة لأصل الربيع الذي سنبين ما فيه من خطأ، وخلاف للروايات الصحيحة المعنى.
ورواية الصحاح واللسان والكامل والطبري نصها:
(ان العسير بها داء مخامرها * فشطرها نظر العينين محسور) والخلاف بين رواية البيت في أصل الربيع وبين سائر الروايات - عدا رواية شرح اشعار الهذليين للسكري. فإنها مباينة لباقي الروايات -: هذا الخلاف بسيط في حرفين وجوهري في حرفين:
أولا: كلمة مخامرها على اسم الفاعل، وفي ب يخامرها فعل مضارع والمعنى فيهما واحد.
وثانيا: كلمة بصر العينين في جميع نسخ الرسالة، وفي سائر الروايات نظر العينين ومعناهما واحد أيضا.
وثالثا: كلمة العسير بالراء في آخرها، فإنها في أصل الربيع و س وج العسيب بالباء الموحدة بدل الراء. وهي مخالفة لسائر الروايات، وخطأ في المعنى أيضا. لان العسيب: عظم الذنب، و (العسيب) أيضا: جريد النخل إذا كشط عنه خوصه. ولا يصلح واحد من هذين المعنيين في هذا البيت. والصواب (العسير) بالراء، وهي الناقة التي لم تذلل، قال في اللسان: ناقة عسير: اعتسرت من الإبل فركبت أو حمل عليها ولم تلين قبل. لان البيت في وصف ناقة، كما نص عليه صاحب اللسان في مادة ع س ر وكما قال أبو العباس المبرد في الكامل ١:
١١٢ في شرح البيت: والعسير التي تعسر بذنبها إذا حملت، اي تشيله وترفعه، ومنه سمى الذنب عوسرا، اي تضرب بذنبها، ومعنى ذلك أنه ظهر من جهدها وسوء حالها ما أطيل معه النظر إليها حتى تحسر العينان، والحسير: المعيي، وفي القرآن:
ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. وأيضا فان البيت الذي بعده في اشعار الهذليين في الكلام على الناقة، كما سنذكر.
ورابعا: كلمة مسحور كتبت في أصل الربيع مسجور بالجيم، وكذلك طبعت في س و ج وهي خطأ ليس لها معنى، وانا أرجح ان أصلها بالحاء المهملة، وان النقطة وضعها تحت الحاء بعض القارئين في الأصل. ووصف البصر بأنه مسحور وصف معروف ظاهر المعنى، ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف في الآية 116:
(فما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم). والذي في سائر الروايات محسور:
بتقديم الحاء على السين، وقد سبق معناه في كلام المبرد. وقال في اللسان: (حسر بصره يحسر حسورا: اي كل وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك، فهو حسير ومحسور).
واما رواية السكري في شرح اشعار الهذليين فإنها مباينة تماما لهذه الروايات.
قال ما نصه:
(وقال قيس بن عيزارة:
إن النعوس بها داء يخامرها * فنحوها بصر العينين مخزور ويلمها لقحة إذا تأوبهم * مسع شامية فيها الأعاصير النعوس: لقحة تحمد عند الدر، إذا حلبت نعست. قال:
نعوس إذا درت جزور إذا غدت * بويزل عام أو سديس كبازل يقال: خزر البصر يخزر، وطرف أخزر: إذا نظر من مؤخر عينه.
مسع: اسم من أسماء الشمال، مسع ونسع، يقول: إذا هبت الشمال فبردت ففيها مستمتع.
انتهى كلام السكري. وهو واضح، وليس في الرواية عنده موضع الشاهد في أن الشطر معناه الجهة أو النحو. ورواية الشافعي أصح، لأنه كان اعرف الناس بشعر الهذليين.