نعم، قد شرع التحريف لاحقا وقد كان للأمويين والقرشيين الدور الأكبر فيه، وإن رسول الله وبتأكيده على العترة كان يريد ارشادهم - وإيانا - إلى أن الخلاف السياسي بين الصحابة سيوصل الأمة إلى الابتعاد الفقهي عن العترة، وهذا يسبب لهم الابتعاد عن سبيل الرسول، لأنا نعلم بأن السنة هي الطريقة، في اللغة، والاضلال معناه الابتعاد عن الدرب، فقد يكون (صلى الله عليه وآله) أراد بكلامه في حديث الثقلين (ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) الإشارة إلى لزوم استقاء الأحكام عنهما وعدم التأثر بالمؤثرات السياسية، لأن في ذلك الابتعاد عن نهج رسول الله وسنته.
هذا وإنا كنا بينا في نسبة الخبر إلى ابن عباس بعض الجهات في التشريع، والآن مع بيان جذور تشريع الرأي والاجتهاد قبال النص وملابسات هذا الأمر عند المسلمين لأن فيه الخبر الكثير لتفهم تاريخ التشريع الاسلامي وما جرى عليه من أمور.
الأمة بين الرأي والاجتهاد عن الباقر (عليه السلام) أنه قال لجابر: يا جابر! لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصول عنه، نتوارثها كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (1).
وسأل رجل الصادق عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟
فقال له: مه! ما أجبتك فيه شئ فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسنا من (أرأيت) في شئ (2).
عن سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق) إن من عندنا ممن يتفقه، يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب الله ولا في السنة نقول فيه برأينا.
فقال أبو عبد الله: كذبوا، ليس شئ إلا قد جاء في الكتاب وجاءت به السنة (3).