لأمه، وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يمضغ الشئ ثم يلقمه إياه، كناية عن قربه منه واهتمامه به، وقد شم ريح النبوة ورأي نور الوحي. وقد كان (عليه السلام) قد أكد مرارا على لزوم اتباع أهل البيت وأخذ سمتهم واتباع أثرهم " لأنهم لم يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى " وفي قول آخر " فأين تذهبون، وأنى تؤفكون، والأعلام قائمة والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، هم أزمة الحق وأعلام الدين " وفي قول ثالث: " وإنه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ".
وهذه النصوص توضح مراد الإمام وأن هناك نهجان: نهج الرأي والاجتهاد، الذي قد تصدرته قريش والأمويون، ونهج التعبد المحض المتمثل بأهل بيت الرسالة والمتعبدين من الصحابة.
نعم، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخبر بأن أمته تعمل برهة بكتاب الله، ثم برهة بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تعمل بالرأي، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا وأضلوا (1).
وإن في نهي أهل بيت النبوة عن العمل بالرأي وتأكيدهم على لزوم استقاء الأحكام من الكتاب العزيز والسنة، لتصريح وتلويح إلى وجود النهج المقابل لهم (2).
ونحن بتقديمنا ما مر كنا نبغي ايقاف القارئ العزيز على أن الخلاف السياسي قد أثر على الاختلاف الفقهي بين المسلمين، وهو الآخر قد وضح لنا أهداف بعض الجهات في التشريع الاسلامي.
وقد كنا بينا سابقا - في نسبة الخبر إلى ابن عباس - بعض الشئ في سبب اختلاف النقل عن الصحابي الواحد والدواعي والأسباب الكامنة وراءه، والآن مع بيان أمر آخر وهو دور الرأي والاجتهاد في الانحراف الفقهي بعد رسول الله، لاعتقادنا بأن في تبيين هكذا أمور - غير مطروحة لحد اليوم - المعين الصافي والمنبع الدافق لتفهم تاريخ التشريع الاسلامي.