أن تحويل القبلة كان غلطا، وهدم البيت كان تأويلا، وأحسب ما رووا من كل وجه:
أنهم كانوا يزعمون... الخ ".
ثم يقول الجاحظ: وتفخر هاشم بأنهم لم يهدموا الكعبة ولم يحولوا القبلة ولم يجعلوا...
ومما يدل على تحويل قبلة واسط: أن أسد بن عمرو بن جاني قاضي واسط (قد رأى قبلة واسط رديئة فتحرف فيها فاتهم بالرفض) فأخبرهم أنه رجل مرسل من قبل الحكام ليتولى قضاء بلدهم.
وهذا يعني أن الشيعة رفضوا قبلة واسط بعكس غيرهم الذين قبلوا بالأمر الواقع، حتى أصبح تحري القبلة مساوقا للاتهام بالرفض، وقد يمكن أن يكون أمر الأئمة من أهل البيت باستحباب التياسر لأهل العراق جاء من هذا الباب.
وبهذا فقد عرفنا أن التلاعب بالدين وتحكيم الهوى في الشريعة لم يكن وليد عهد معاوية والأمويين، بل كانت له جذور سبقت ذلك العهد، لأن ابن مسعود مات في خلافة عثمان، فكلامه ناظر لعثمان ومن سبقه بالخلافة، وكذلك كلام حذيفة بن اليمان، فإنه قد مات بعد مقتل عثمان وبعد أربعين يوما من خلافة الإمام علي، ومثله كلام أبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وغيرهم، فهي ترجع إلى ما قبل الأمويين، وفي كلام ابن أبي الحديد إشارة إلى تحكيم المصلحة على النصوص عند غالب الصحابة في الصدر الأول، إذ قال في شرحه للنهج: قد أطبقت الصحابة إطباقا واحدا على ترك الكثير من النصوص لما رأوا المصلحة في ذلك (1).
وقال في مكان آخر: ".... وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه، سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يكن، ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه، تكون أحواله إلى الانتظام أقرب " (2).
وهذه النصوص وغيرها أوقفتنا على وجود انحراف في الشريعة قبل عهد الإمام علي (عليه السلام)، وأن الإمام كان من الذين لا يرتضون هذا الانحراف، وفي كلامه آنف