أن الغسل إنما علم وجوبه من بيان السنة. فهو موافق للحجاج في الغسل، مخالف له في الدليل.
والثاني: ذكره البيهقي وغيره أنه لم ينكر الغسل إنما أنكر القراءة، فكأنه لم يكن قراءة النصب) (1).
أقول:
أولا: إن الكلامين - وإن عدهما النووي وجهين - وجه واحد في الحقيقة.
وثانيا: إنه وجه بعيد عن النقل، غريب على العقل، وقد حملهم على ارتكابه ما حكي عن أنس بن مالك: (نزل القرآن بالمسح، وجرت السنة بالغسل)، أو: (نزل القرآن بالمسح وجاءت السنة بالغسل).
ثم نسأل النووي وأصحابه: هل أن احتجاج الحجاج بالآية كان مخالفا لظاهر الكتاب، وموافقا لحكم الله الواقعي والسنة المبينة له؟ فليس في البين مخالفة وكذب، ولا طائل لتكذيب أنس إياه، بل توجد مشكلة صغيرة فقط، وهي مخالفة ظاهر كتاب الله لمراده تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أو أن الله أراد شيئا ونزل به كتابه، وأراد نبيه شيئا آخر وجرت به سنته فيا لها من سخافة! أو أن احتجاجه بالآية كان مخالفا للواقع، ومباينا لحكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، فأنكر عليه أنس وكذبه، ثم أعرب عما في ضميره مرة أخرى قائلا: نزل القرآن بالمسح، وجرت سنة الناس وعادتهم بالغسل، نظير قول ابن عباس (رضي الله عنه): أبى الناس إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح.
وثالثا: أن ما جاء في ذيل الخبر، وخبر ابن أبي شيبة من أن أنسا كان إذا مسح على قدميه بلهما، يأبى هذا الوجه الذي ذهب إليه النووي وأصحابه. اللهم إلا أن نقول: إن أنسا كان موافقا للحجاج في المسمى - أي فعل الغسل - ومخالفا له في الاسم، فتأمل.