لا بد لفهم أي كتاب قديم في الطب أن نفهم النظرية والأسس التي بني عليها ذلك الطب. ولذا فإن قراءة أي كتاب من كتب التراث الطبي أو حتى الكتب المسماة باسم الطب النبوي مثل كتاب ابن القيم وكتاب الذهبي وكتاب الموفق البغدادي وكتاب ابن طرخان وكتاب السيوطي والرسالة الذهبية للإمام علي الرضا، لا يمكن أن تفهم على وجهها ما لم تفهم النظرية الفلسفية التي تكمن خلف التقسيمات والألفاظ المتكررة مثل الطبائع الأربع والأمزجة الأربعة والعناصر الأربعة.
ورغم أن الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالطب بعيدة كل البعد عن هذه النظرية اليونانية إلا أن كل من كتب من القدماء في الطب النبوي تأثر بمعلومات عصره واستخدم هذه النظرية المبنية على وجود عناصر أربعة وطبائع أربع وأمزجة أربعة. وليس بدعا إذن أن يستخدم الإمام علي الرضا مفهوم العناصر الأربعة والطبائع الأربع والأمزجة الأربعة في كتابه (الرسالة الذهبية).
والغريب حقا أن يكون الإمام الرضا قد هضم هذه النظرية هضما جيدا في وقت مبكر جدا (في حدود سنة 200 ه) وذلك قبل أن تظهر ترجمات واضحة لهذه الفلسفات الإغريقية.
صحيح أن عصر الترجمة بلغ أشده في عصر المأمون وهو العصر الذي عاش فيه الرضا، لكن مع ذلك لم تأخذ هذه النظريات الطابع المعروف لدى المثقفين في ذلك الوقت إلا بعد أن قام الرازي (250 - 313 ه) والفارابي (المتوفى 339 ه)