وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بمثل هذا الاستنباط.
فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنى (أبا) فيقول: لا أقول في كتاب الله برأيي، ويقضي في ميراث الجد بمائة قضية يغاير بعضها بعضا، ويقول:
إن زغت فقوموني وإن استقمت فاتبعوني (1). وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني (2)، سلوني عن طرق السماء فوالله إني لأعلم بها من طرق الأرض! وقال: إن ها هنا لعلما جما، وضرب بيده على صدره، وقال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فقد ظهر أنه أعلم (3).
وأما الزهد فإنه سيد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشد الرحال، وتنقص الأحلاس، وما شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس لبسا ومأكلا.
قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت على علي عليه السلام يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فتقدم فأكل.
فقلت: يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنما هو خبز شعير؟
فقال: خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن (4). وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخيطه، وكان لا يزال ساقطا على ذراعيه حتى