وكأمة مؤمنة عاقلة واعية تقبل التكييف الإلهي بأن هذا هو الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب، وتفرح لأنها عثرت على بغيتها فتقبل عليه وتبايعه بالرضى لا بالإكراه ليكون إماما لها وقائدا لمسيرتها، وبمجرد تمام البيعة يصبح الإمام الذي رشحه الله هو القائد الشرعي والفعلي للأمة، ويتعاون مع الأمة لوضع المنظومة الحقوقية الإلهية موضع التطبيق.
الانفكاك بين الواقع والشرعية أما إذا لم تقبل الأمة بالتكييف الإلهي بأن هذا الذي قدمه الله هو الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب لقيادتها، وفتشت لنفسها وبقدراتها عن شخص آخر اعتقدت أنه الأفضل والأنسب لقيادتها، عندئذ تحدث عملية انفكاك بين الشرعية والواقع فيكون الحاكم القابض على مقاليد الأمور فعليا شخص والإمام المعين من قبل الله شخص آخر لا سلطة بيديه، ويتعذر عليه أن يتأمر على أناس لا يقبلون به، ودينه يمنعه من اللجوء إلى أساليب غير شرعية للوصول إلى السلطة ومع الأيام يستحوذ الحاكم على السلطة والمرجعية، فيزعم بأنه خليفة النبي والقائم مقامه ومن يعارض ذلك يهز الحاكم بوجهه عصا السلطة.
فالحسين بن علي بن أبي طالب إمام بالنص، وولي بالنص، ومرجع بالنص، وهو القدوة في زمانه بالنص. ولكن الأمة رغبة أو رهبة بايعت يزيد بن معاوية فأصبح يزيد هو الحاكم الواقعي (الخليفة). أما الحسين فهو الإمام الشرعي ولكنه غير قادر على ممارسة صلاحياته لأن يزيد استولى عليها بالقوة والغصب، وسكتت الأمة عليه وبايعته طوعا أو كرها وأدارت ظهرها لإمامها الشرعي، وعلى الحسين أن يقبل بالأمر الواقع أو يواجه قوة السلطة التي تتدرج بالضغط عليه بكل وسائل الدولة وإمكانياتها التي قد تصل إلى إنزال عقوبة الموت بالإمام. فالسلطة بمثابة زوجة شرعية للإمام الحسين ولكل إمام معين وفق الشرع، وهذه الزوجة الفاتنة تحب زوجها وتخلص له لأنه أهل لها.
فجاء الحاكم وبالقوة والغلبة والقهر، واغتصب الزوجة من زوجها وأجبرها على معاشرته بالقوة، لأن الحاكم يدرك أن جسد الزوجة له وقلبها معلق بزوجها