وأهل الشام مع معاوية، الذي استعد لهذه المواجهة طوال مدة حكمه لولايته الشام التي امتدت قرابة عشرين عاما ". كانت مواجهة بين القوة والشرعية، لقد أنهكت الحرب معسكر الإمام وحدثت معركة صفين، ورجحت كفة الإمام ومعسكره، ولا حت بوادر هزيمة معاوية وجيشه فاخترع معاوية وابن العاص خدعة رفع المصاحف على الرماح، وشعار (هذا كتاب الله بينا وبينكم)، ودب الخلاف في معسكر الإمام، فمنهم من يقول: هذا كتاب الله، ومنهم من يقول: تلك خدعة من رجلين لا يعرفان كتاب الله. وتوقف القتال، واشتد الخلاف في معسكر الإمام، وصار الإمام نفسه مأمورا " بعد أن كان آمرا "، ووجدت الأكثرية فرصة للقعود والدعة، وتهيأ المناخ لنشوء الفرق والأحزاب، الفئة المؤمنة، وهي قلة بقيت على ولائها للحق لم تتزعزع، والأكثرية الساحقة فتحت آذانها لما يقال وهو كثير، وفتحت قلوبها للهوى الذي انفلت من حواجزه، وتبعثرت وتشرذمت الكثرة طرائق بددا ". كان هم الإمام أن يعيد الكثرة إلى خط القلة المؤمنة، وكانت المهمة عسيرة إن لم تكن مستحيلة، فقد ألقى الخلاف أجرانه في معسكر الإمام وأفلتت أزمة الأمور من يده، وعبر عن واقع الحال بقوله: (لا رأي لمن لا يطاع). وأخيرا " صمم الإمام أن يدعو على أولئك الذين رفضوا طاعته، وأن يخرج وأهل بيته والقلة المؤمنة التي أطاعته إلى حرب معاوية. في قمة هذا التصميم، وبينما كان الإمام يستعد لأداء الصلاة في صبيحة أحد أيام شهر رمضان كان السيف الغدر، بيد أشقاها ابن ملجم، وما أن دلف الإمام إلى المسجد حتى هوى السيف على رأس أتقاها، ومات أفضل المسلمين بعد النبي، وبايعت القلة المؤمنة الحسن، وتبعهم الذين بايعوا أباه. وجهز الإمام علي الفور جيشا " لمقاتلة معاوية، وسار الجيش بقيادة عبيد الله بن العباس، ومن دون علم الإمام جرت مفاوضات بين معاوية وبين عبيد الله أسفرت عن حصول الأخير على رشوة كبيرة من معاوية فالتحق ومعه ثلث الجيش بمعاوية. لم يستسلم الإمام إنما خرج ومعه فئة من المؤمنين لينضموا إلى ما تبقى من الجيش، وليقاتلوا معاوية، وفجع قلب الإمام الشريف عندما اكتشف أن فرقة ممن تبقى من جيشه كانت تخطط للقبض عليه وتسليمه حيا " لمعاوية مقابل مبلغ من النقود، وأن هذه الفرقة قد شرعت في ذلك وطعنته وهجمت على فسطاطه ونهبته!
(٥٦)