الفصل الأول الوضع الأمثل وبذور الاختلاف الوضع الأمثل بعد جهاد مرير نجحت دعوة الإسلام، وتمخضت تلك الدعوة عن دولة النبي. تلك الدولة التي وحدت العرب سياسيا " لأول مرة في تاريخهم ونقلتهم من دين الشرك إلى دين الإسلام، واقتنع العرب أو تظاهروا بالاقتناع بأن محمدا " نبي ورسول وإمام وقائد، وأنه المرجع الوحيد، وأنه على صلة مستمرة مع الله عن طريق الوحي.
فكان المسلمون يعرفون الحكم الشرعي من طريق النبي، والنبي لم يتوقف عن الإعلان بأنه على استعداد للإجابة عن كل سؤال جوابا " يقينيا " قائما " على الجزم واليقين، لأنه يتبع بالضبط ما يوحى إليه من ربه، وأن الله قد علمه بيان القرآن، وأن القرآن فيه تبيان لكل شئ وكان المسلمون يعملون عقولهم في ما خفي عليهم من الأحكام الشرعية، حتى إذا ما التقوا مع الرسول عرضوا عليه نتاج عقولهم فيحكم عليه وفق موازين الوحي الإلهي، فيعدل ويبدل ويقوم هذا النتاج حتى يتفق تماما " مع ما أوحي إليه.
كان بعض المسلمين يتشبث برأيه الشخصي في مقابلة الوحي، ولكنه كان يضطر دائما " لترك رأيه الشخصي والنزول عند حكم النبي، أو يضطر للتظاهر بذلك. وهكذا تبقى الأمة دائما " ضمن إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، وتتبنى أحكاما " إلهية واحدة تتفق مع المقصود الإلهي بلا خلاف ولا اختلاف. فالكل مقتنع أو متظاهر بالاقتناع بأن محمدا " هو الأعلم، وهو الأفهم بالدين، وهو الأقرب لله، والمتصل معه بالوحي، وهو الأصلح والأفضل، والأقدر على النطق بالصواب، وهو المؤهل إلهيا " للإجابة عن كل سؤال جوابا " صائبا "، ولا أحد في المجتمع يجرؤ على القول بعكس ذلك. واعتراضات عمر بن الخطاب وأمثاله الناتجة عن الرأي، سرعان ما تتداعى أمام القناعات العامة بشخصية الرسول وأهليته