وزمن علي، ولم يكتفوا بطمس النصوص الشرعية التي تبرز عليا " وأهل بيت النبوة وتؤكد حقهم في القيادة والمرجعية، بل سخروا كل إمكانيات الدولة وطاقاتها الهائلة للتشكيك في هذه النصوص الشرعية، ولاختلاق فضائل ونصوص نبوية لمعاوية وقادة البطون ما أنزل الله بها من سلطان، وفرض هذه الفضائل والنصوص المختلفة على الناس وجعلها منهاجا " تربويا " وتعليميا " لرعايا دولة معاوية. وأبعد من ذلك فإن معاوية وقادة البطون صوروا عليا " بن أبي طالب في صورة الشيطان (حاشاه) وفرضوا على الرعية لعنه وسبه والتبرؤ منه ومن أهل بيت النبوة. وأصدر معاوية، بوصفه سلطان المسلمين، سلسلة من (المراسيم الملكية) عممت على كافة ولاته، وفي كل أقاليم دولته، أمرهم فيها بأن يمحوا من ديوان العطاء كل من يشتبهوا بموالاته لعلي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة، وألا يقبلوا له شهادة، وإن ظنوا بأن أحدا " من المسلمين يحب عليا " وأهل بيت النبوة فعليهم أن يهدموا داره وأن يقتلوه على الفور. فصارت كلمتا الكفر والزندقة أخف بمليون مرة من كلمة التشيع، وصار الكفرة والزنادقة ملوكا " إذا ما قيسوا بالشيعة، وصارت الانتماء إلى الشيعة من الجرائم الكبرى التي تعرض مرتكبها للقتل من دون محاكمة، وعلى الشبهة!
وصارت هذه (المراسيم) جزءا " من المنهاج التربوي والتعليمي للدولة يتناقلها الناس، جيلا " بعد جيل. وما يعنينا أن الفئة المؤمنة بحق أهل بيت النبوة بقيادة الأمة بقيت على إيمانها، ولكنها أخفت هذا الإيمان في حرز منيع، وكان هم الشيعة منصبا " بالدرجة الأولى والأخيرة على المحافظة على الحياة. فلم يعد بوسع أحد منهم أن يقول لخادمه بأنه من الشيعة. كم كان الواحد منهم يتستر على إيمانه تماما " كتستر مؤمن آل فرعون بل وأشد تسترا "، لأن البديل الآخر هو الموت. وتركت الساحة لمعاوية ولبطون قريش لينجحوا في تحريف الحقائق بقوة الدولة وسلطانها!
لذلك تشبثت الشيعة بالحياة لا حرصا " عليها، ولكن طمعا " بنقل الحقيقة من جيل إلى جيل وبيانها للناس، وفاء بما أخذه الله على العلماء.
المذبحة الكبرى لما شعر معاوية بدنو أجله، وليتم بالصالحات أعماله، أخذ يعد العدة ليستخلف ابنه يزيد من بعده، وشجعه على ذلك تأييد البطون والمنافقين والمرتزقة