عندئذ تيقن الإمام أن الاستمرار في مواجهة معاوية عسكريا " في هذه الظروف انتحار حقيقي سيؤدي حتما " إلى إبادة الفئة المؤمنة إبادة تامة، وخلو الساحة من المؤمنين، وهذا ما يتمناه معاوية وبطون قريش، وبالنتيجة سينتصر معاوية. لذلك، وحرصا " من الإمام علي ما تبقى من الفئة المؤمنة ومن أهل بيت النبوة، قرر أن يتنازل لمعاوية عن الخلافة بشروط، حتى لا يضطر يوما " إلى التنازل عنها من دون شروط، وجرت مفاوضات، وقبل معاوية بشروط الإمام، ووقع على التزامه بها، وتنازل الإمام رسميا "، وصار معاوية بالقوة والقهر خليفة جميع المسلمين. وبعد أن تم له ما أراد، لم يف بعهد الله، ولم يحترم توقيعه على شروط الحسن. وظهر معاوية على حقيقة ملكا " لا مطمع له إلا الملك، وما كانت الشعارات التي رفعها سوى ستار يخفي تحته أطماعه. وبعد أن استهل معاوية عهده الجديد، أخذ الناس يقارنون بين عهده وعهد علي، وسيرته وسيرة علي، وعدله وعدل علي، وعلمه وعلم علي، وأصله وأصل علي، فندموا وتباكوا على الإمام وعلى كل ما كان يرمز له (ولات حين مندم) واضطروا إلى مواجهة عسف الملك الذي أقاموا ملكه بأيديهم وأعمالهم!
الفئة التي تشيعت لله ولرسوله ولأهل بيته بقيت على عهد الله لم تتغير، ولم تهتز قناعاتها بأن القيادة والمرجعية حق خالص لأهل بيت النبوة، ولكنها اضطرت أن تخفي هذه القناعات تماما " كما أخفتها في عهد الخلفاء الثلاثة حرصا " منها على حياتها ومصالحها الهزيلة. وهؤلاء الباقون على عهد الله هم الشيعة.
والفئات التي تباكت من ظلم معاوية وولاته وفقدت عدل الإمام وسيرته، بدأت من الصفر وأخذت تكون لنفسها قناعات مختلطة تتضمن نوعا " من الموالاة لأهل بيت النبوة، ولكنها ليست الموالاة الشرعية إنما هي تعبير عن المعاناة، أولئك ليسوا شيعة.
التشيع، من منظور السلطان، جريمة تفوق جريمة الكفر بعد أن استقام الأمر لمعاوية ولبطون قريش، وأنشبوا أظفارهم في أعناق المسلمين وقلوبهم لم يكتفوا بإلغاء النهج العام للتشيع الذي كان سائدا " زمن النبي،