وجودها تماما "، كما تجاهلت وجود النبي. ولم تكتف بذلك إنما حاصرت أهل بيت النبوة وجردتهم من ممتلكاتهم ومن كافة حقوقهم المدنية والسياسية وحاصرتهم اقتصاديا " وعزلتهم اجتماعيا ".
وترتب على نجاح الانقلابيين إبعاد الرسول عن التأثير على الأحداث، فقد منعوا الرعية من التحديث عنه، ومنعوا كتابة أحاديثه وأحرقوا المكتوب منها، وصارت كلمة خليفة البطون وأركان دولته هي الكلمة العليا، وهي القول الفصل، واقتصر دور الدين كله على تجميل هذا الواقع وتسويغه. وكل ذلك يجري تحت خيمة الإسلام، وباسمه.
البحث عن عقائد جديدة صحيح أن بطون قريش ال 23، مهاجرهم وطليقهم، صف واحد وجبهة متراصة واحدة. وصحيح، أيضا "، أنهم تحالفوا مع المنافقين ووقفوا جميعا " قلبا " وقالبا " إرغاما " لأنف النبي وأنوف آله، وصحيح أيضا " أن المرتزقة من الأعراب أيدوا بطون قريش لأنها المالكة للمال والنفوذ والجاه. وصحيح أيضا " أن البطون نجحت في استغلال الخلاف بين الأوس والخزرج وضمت إلى صفوفها قطاعا " واسعا " من الأنصار. وصحيح أيضا " أن البطون عزلت عليا " وأهل بيت النبوة وبني هاشم ومواليهم اجتماعيا "، فعادوا قلة مستضعفة. وصحيح أن خليفة البطون غدا في أوج قدرته، وأن دولته مستقرة وتبسط سلطانها على الجميع بالقوة. لكن أركان هذا التحالف أدركوا أن القوة وحدها ليست كافية لتضمن بقاء: دولة البطون ولتحقيق قناعة الرعية بشرعية هذه الدولة، وأن افتقار خليفة البطون إلى عقيدة تشكل نقطة ضعف. وفي وقت يطول أو يقصر سيستغل الهاشميون هذه النقطة لصالحهم، لذلك بدأ قادة البطون بالبحث عن عقائد يمكن لها أن تشكل نظرية تعمل جنبا " إلى جنب مع بطون قريش ومع خليفتها وجيشها لتقوية دولتها ودوامها. وقد اخترع خلفاء البطون مجموعة كبيرة من النظريات السياسية، تصب في خانة إضفاء الشرعية على دولتهم من خلال وضع نظرية تنتظم مع القوة والتغلب والقهر لإيجاد حالة عامة من القناعة بشرعية دولة البطون أو إسلاميتها. ومن أسس هذه النظرية: