الصغير الذي وجد نفسه مقطوع النسب، لا يجد ما يفاخر به أبناء جيله، و (النسب) عند العرب يشكل عقدة للكبار، فكيف بالصغار! والواقع هو أن الحالة النفسية عند عمر تشكلت ضمن هذه العوامل الاجتماعية، مما كون عنده عقدة النقص، وما تولد عنها من روح عدوانية، ونزعة تعويضية هازلة.
هكذا، وخلافا لما وصفه به العقاد وغيره، يمكننا اكتشاف الأسباب التي جعلت عمر بن الخطاب يكون على ذلك الطبع من الفظاظة والحدة. فلم ينجح أحد من درته أصلا. وأول ما ضرب عمر بدرته أم فروة بنت أبي قحافة لما توفي أبو بكر، وبكت على أخيها ومعها مجموعة نساء، فأخرج عمر درته، وعلا بها أم فروة، فهربت الأخريات، وقيل: درة عمر أهيب من سيف الحجاج (106) يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: (وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة (ويروى أن عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة، وارتد إلى نصرانيته، وذلك بسبب لطمة لطمها، ويروى أنه قال بعد أن ندم على ارتداده:
تنصرت الأشراف من أجل لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قال عمر هذه الفظاظة والعنجهية، والقمع الاجتماعي الذي ميز خلافة عمر، أثار عليه جبهتين:
الأولى: - قوم شرفاء ساءهم أن يكون عمر أميرا عليهم مسفها لهم. لا يوقر كبيرا ولا صغيرا (107).