فلنستمع إلى باب مدينة العلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يشرح للناس هذا الاعتقاد الذي بقي لغزا عند بعض المسلمين الذين تركوا الباب يقول عليه السلام (لما سأله أحد أصحابه: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟):
ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (1). صدق الإمام عليه السلام فويل للذين ينسبون العبث والظلم لله من عذاب أليم.
والجدير بالذكر والحق يقال بأن أهل السنة والجماعة ينزهون الله عن العبث والظلم فإذا ما سألت أحدهم فسوف لن ينسب الظلم لجلال الله سبحانه، ولكنه سوف يجد نفسه متحرجا لرفض أحاديث أخرجها البخاري ومسلم ويعتقد ضمنيا أنها صحيحة، ولذلك تراه عندما تجادله بالمنطق المعقول، يدعي بأن ذلك لا يسمى ظلما عند الله إذ أنه الخالق، وللخالق أن يفعل في مخلوقاته ما يشاء! فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وعندما تسأله: كيف يحكم الله على عبد بالنار قبل خلقه لأنه كتب عليه الشقاء، ويحكم على آخر بالجنة قبل خلقه لأنه كتب عليه السعادة؟ أليس في ذلك ظلم للاثنين؟ لأن الذي يدخل الجنة لا يدخلها بعمله وإنما باختيار الله له، وكذلك الذي يدخل النار لا يدخلها بما اقترفه من ذنوبه وإنما بما قدره الله عليه. أليس في ذلك ظلم، وهو يناقض القرآن؟ فسيجيبك بأن الله فعال لما يريد. فلا تفهم من موقفه المتناقض شيئا، وهذا بديهي إذا أنه ينزل