ويظل كذلك حتى يظهر النقص في البركة، وكان يقضي معظم أيامه في قصوره في البادية، في قريتين تقعان في منتصف الطريق بين دمشق وتدمر (1)، وقد أورد صاحب الأغاني خبرا يصور مجلسا من مجالس شربه، رواه شاهد عيان، ووصف فيه ما كان يمارسه هذا الخليفة من التهتك والمجون (2).
ولم يكتف ملوك بني أمية بالشراب، بل استهواهم الغناء والموسيقى وبعض ضروب الرقص، فإذا كان الخليفة ممن لا يريد أن يشهر عنه ذلك، جعل ستارة بينه وبين الندماء، ولم يكن الوليد الثاني ممن يتحاشى الرفث والمجون.
وكان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أول من سن الملاهي، واستجلب المغنين إلى الشام، وكان شاعرا، فجعل يقيم الحفلات الكبرى في بلاطه، ومن ثم فقد أصبح الغناء والشراب صنوين متآلفين في تاريخ الدولة الإسلامية، وقد شمل عبد الملك بن مروان برعايته (ابن مسجح) من مغني الحجاز، واستقدم ولده الوليد (ابن شريح) و (معبدا) إلى دمشق، واحتفى بهما، ثم أعاد الوليد الثاني الشعر والموسيقى إلى البلاط، بعد أن حال دونهما الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
هذا وقد شاع الغناء في عهد ملوك بني أمية شيوعا عظيما، وعظم الشغف به في حواضر الدولة الإسلامية، حتى يزور مغن مثل (حنين) - الحيري النصراني، وكان يعيش في العراق - يزور المدينة، ويجتمع الناس في أحد منازل المدينة، ويزدحمون على السطح ويكثرون ليسمعوه، فيسقط الرواق على من تحته، ويموت المغني (حنين) (حوالي عام 720 م) - على أيام يزيد بن عبد الملك (101 - 105 ه 720 - 724 م) (3). تحت الهدم. ويقول الدكتور