الحثيث لها والفحص عنها ثم متابعتها والانقياد لها بجميع الجوارح والأركان، وتلك الظروف في هذه الأمة هم أهل بيت المصطفى عليهم السلام، فمن أحبهم واتبعهم أحبوه بقلوبهم المنورة العامرة بنور الله جل اسمه، وإذا كان كذلك حصل النجاة من الذنوب.. ومن هنا جاء في الحديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
ووجه تخصيصهم بهذه المرتبة والفضيلة هو: إن سفينة نوح كانت الصورة العملية لكمال نوح عليه السلام، وكان أهل البيت عليهم السلام الصورة العملية لكمال خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم من قبل الله تعالى وهي عبارة عن الطريقة، إذ لا يتصور وجودها في أحد إلا إذا ناسبه في القوى الروحية: في العصمة والحفظ والفتوة والسماحة، وهذه المناسبة لا تحصل إلا مع علاقة الأصلية والفرعية وجهة الولادة منه صلى الله عليه وسلم، فلذا جعل هذا الكمال - مع جميع شعبه وفروعه - فيهم، وهذا معنى الإمامة التي يوصي بها الواحد منهم إلى الآخر عند وفاته، وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الأمة إليهم، وأن من تمسك بحبل الله، يرجع إليهم لا محالة ويركب سفينتهم.
وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد تجلى غالبا في أصحابه الكرام، إذ من اللازم والضروري - لانطباع ذلك الكمال - هو ملازمة التلميذ لأستاذه الزمن الطويل، وتفطنه لخصائصه وتعلمه لأساليبه في حل المشكلات واستخراج المجهولات، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وبما أن قطع بحر الحقيقة لا يكون إلا بجناحي العلم والعمل، فإن من الضروري للمسلم أن يتمسك بهما معا، كما أن قطع البحر لا يمكن من دون ركوب السفينة مع ملاحظة النجوم ليهتدي بها في سيره، ولذا قال * (وتعيها) * أي:
وتعي قصة السفينة ونجاة المؤمنين بها من الغرق * (أذن واعية) *: وفي الحديث:
أنه لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه: سألت الله