(وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم أخبر - في أحاديث متواترة معنى - بمقتل عثمان وأنه ستقع فتنة عظيمة قبيل مقتله بحيث تتغير أحوال الناس وينتشر بلاؤها، فمدح الزمان السابق عليها وذم التالي لها، وأطال في بيان تلك الفتنة بحيث لم يخف على أحد مطابقة ما ذكر لما وقع.
ولقد أوضح بأبلغ بيان: بأنه سينقطع الخلافة الخاصة بسبب تلك الفتنة وتنتهي بها بقية بركات أيام النبوة.. وقد تحقق ما ذكر ووقعت الفتنة على وجه لم يتمكن المرتضى من الخلافة، برغم رسوخ قدمه في السوابق الاسلامية وكثرة تحليه بأوصاف الخلافة الخاصة، ورغم انعقاد البيعة ووجوب انقياد الرعية، فلم ينفذ حكمه في أقطار الأرض ولم يسلم لحكمه المسلمون، وانقطع الجهاد في عهده وتفرقت كلمة المسلمين، وقد حاربه الناس في وقائع عظيمة، فرفعوا يده عن التصرف في البلاد وتضيقت دائرة سيطرته يوما فيوما، لا سيما بعد التحكيم، إلى أن لم يصف له منها سوى الكوفة وما والاها، وهذه الأمور وإن لم تؤثر على صفاته الكاملة النفسانية، إلا أن مقاصد الخلافة لم تتحقق على وجهها.
ولما تمكن معاوية بن أبي سفيان اتفق الناس عليه وزالت الفتنة من بين الأمة الاسلامية) (1).
وفيه أيضا ما ملخصه: أنه قد ضعفت أركان الدين الاسلامي منذ خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فما بعد، واستشهد لذلك بأن الإمام عليه السلام لم يحج بنفسه في زمن خلافته بل لم يتمكن - في بعض الأعوام - من إرسال نائب عن قبله لإمارة الحج..
وكرر في موضع آخر من كتابه المذكور القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أشار إلى الفتنة التي تنتهي بمقتل عثمان، وزعم:
(أنه - صلى الله عليه وآله - جعل تلك الفتنة الحد الفاصل بين زمان الخير وزمان الشر، وأخبر بتحول الخلافة على منهاج النبوة من ذلك الحين إلى ملك