ونكردند) أي صنعوا وما صنعوا حين وقع الاختيار على أبي بكر.
فقال: إن سلمان من عرض المسلمين ولا يجوز أن يكون مع الأكفاء وفي الشورى فينتقض به أمر أو يبرم. ثم علل هذا من رأيه بأن سلمان ليس من المهاجرين، ولم يشاهد أحدا ولا بدرا، ولا لقي ما لقي بلال، وصهيب، وخباب، وعمار، ولا من نصروا وآووا، ولا ذكروا في كتاب الله المجيد وقدموا (3).
ولو تدبرنا كلام الجاحظ، لقطعنا بأنه معاند لإجماع يعرفه الناس قاطبة. ونبدأ أول ما نبدأ بقوله: إن سلمان من عرض المسلمين: أي عامتهم. وما لا جدال فيه أن سلمان ذو نسب في الأسرياء الشرفاء عريق. ففي سيرته أنه ابن دهقان، والدهقان رئيس الإقليم عند الفرس، وقد تقلب في أعطاف النعيم وهو طفل وقام لأبيه على أمر ضيعته.
وحسبنا هذا أمارة تنفى عنه أنه كان من الدهماء أما أن يقع في الأسر منصرفه من الشام ثم يباع عبدا لرجل من يهود، فليس مما يغض منه، وتعرضه لغارة الشذاذ عليه واستعبادهم له، لا يمكن أن ينفى عنه كونه الحسيب النسيب، وهذا من حاله يشبه ما وقع ليوسف (عليه السلام) فقد وقع في الأسر وبيع في مصر، وما ضره هذا ولا عابه.
أما بعد وفوده على الرسول (ص) وإسلامه، فليس من ريب في أنه بين العرب كان سيد السادات وأمثل القوم، عظيم الشأن بدينه جليل القدر بعلمه، وذلك ما أهله من بعد ليكون واليا على المدائن.
ومما عرفناه وتيقنا صحته أنه لم يشهد بدرا ولا أحدا، ولكن ذلك لم يفته إلا لمانع من الرق، فصح عزمه على أن يكاتب ليعتق، ليخوض الغمرات مع المسلمين ويعز الحق والدين، وتلك مكرمة له لا تنسى ومحمدة لا تجحد.