بشئ من أخبار الدنيا، مؤمنهم وكافرهم، أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره (صلى الله عليه وآله) بنقل من حضره، وهم واحد أو اثنان ويقول أيضا: " وبالضرورة نعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة هذا ما لا شك فيه، لكنه (صلى الله عليه وآله) كان يقتصر على من بحضرته ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم " (1).
ثم قلت: وإذا كان حساب السنة هو هذا، سواء من حيث الاعتماد على القرائن المنفصلة، أو من حيث أسلوب تبليغها، وهي لم تدون على عهده أو عهود الخلفاء من بعده، فهل يمكن اعتبارها مصدرا تشريعيا يجب الرجوع إليه؟
قال أحدهم: ولم، ألم يجعلها القرآن من مصادر التشريع؟ * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * (2) * (وما ينطق عن الهوى) * (3) الآية.
قلت: لا أشك في ذلك، ومن ينكر حجيتها فهو ليس بمسلم، لإنكاره أهم الضروريات الإسلامية، ولكن أسألك ماذا يصنع من يحتاج إلى معرفة حكم لم يجده في كتاب الله.
قال: يرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لاستفساره عنه.
قلت: وبعد وفاته.