مأساة الزهراء (ع) - السيد جعفر مرتضى - ج ١ - الصفحة ١٠٣
وهكذا يتضح: أن الاستناد إلى الاستبعادات والاستحسانات في أمور ترتبط بالغيب، وما لا طريق لنا إلى الاطلاع عليه، وكذا عدم القدرة على تعقل أو فهم بعض الأمور، الواردة في النصوص، لا يبرر رفض النص، ولا يلزمنا بتأويله، وذلك واضح وظاهر (1).

(١) الرجعة المثال الآخر:
ويشبه ما نحن فيه، ما يقوله البعض عن موضوع الرجعة أيضا وذلك لأن من الواضح أن هناك أمورا تثبت الإجماع أو بالدليل العقلي، وهما دليلان لبيان ولا مجال للتأويل في الدليل اللبي، كما ذكره السيد المرتضى (قدس سره) ردا على من قال بلزوم تأويل أحاديث الرجعة برجوع الدولة، والأمر والنهي، حيث قال ما لفظه:
" إن قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة، وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف عولوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة.
وهذا منهم غير صحيح، لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة، فيطرق التأويلات عليها، فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم؟
وإنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها، بأن الله تعالى يحيي أمواتا عند قيام القائم (ع)، من أوليائه وأعدائه على ما بيناه، فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم " رسائل الشريف المرتضى ج ١ ص ١٢٦.
فالسيد المرتضى رحمه الله يقول إذن:
١ - إن الرجعة ثابتة بإجماع الإمامية.
٢ - إن الإجماع دليل لبي، والدليل اللبي غير قابل للتأويل، لأنه ليس من النصوص ليمكن تأويله.
٣ - إن الذين خالفوا، إنما خالفوا بعد القطع بتحقق إجماع الإمامية على هذا الأمر، فلا تضر مخالفتهم الإجماع، بل هو يحتج عليهم به، ويلزمهم بموافقته، وباعتماده.
٤ - إن الرجعة ليست من المدركات العقلية، ليحتكم فيها إلى العقل، أو لكي يسأل العقل عنها، بل هي أمر غيبي لا يعرف إلا بالنقل أو الإجماع الكاشف عن إبلاغ المعصوم لهذا الأمر للناس، وإجماع المجمعين - كما يقول السيد المرتضى - قد كشف لنا عن معرفتهم بهذا الأمر التوقيفي، الذي أخذوه عن المعصومين (ع).
وإذا كانت الرجعة ثابتة بالأخبار المتواترة، فإن ما ذكرناه من عدم جواز الالتجاء إلى تأويل أخبارها، إلا إذا صادمت الحكم العقلي الفطري، وهي لا تصادمه، قطعا، غاية ما هناك عجز بعضهم عن إدراك مغزاها، وذلك لا يبرر تأويل أخبارها كما قلنا.
إن هذا الذي ذكرناه جار هنا ولا مجال لإنكاره.
وللتدليل على ما ذكرناه من ثبوت الرجعة بالدليل القطعي، نذكر هنا كلام بعض الأعلام.
فنقول:
قال ابن البراج في كتابه جواهر الفقه ص ٢٥٠، وهو يعدد العقائد الجعفرية:
يرجع نبينا وأئمتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الأمم السابقة واللاحقة، لإظهار دولتهم وحقهم، وبه قطعت المتواترات من الروايات والآيات.
ويقول: السيد عبد الله شبر في كتابه حق اليقين ص ٢ و ٣:
إعلم أن ثبوت الرجعة مما اجتمعت عليه السنة الحقة والفرقة المحقة، بل هي من ضروريات مذهبهم، وقال العلامة المجلسي رحمه الله: أجمعت الشيعة على ثبوت الرجعة في جميع الأعصار واشتهرت بهم كالشمس في رابعة النهار حتى نظمتها في أشعارهم واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم وشنع أعداءهم عليهم في ذلك وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم منهم الرازي والنيشابوري؟؟؟ غيرهما. وكيف يشك مؤمن بأحقية الأئمة الأطهار فيما تواترت عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقاة العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الإسلام الكليني والصدوق محمد بن بابويه والشيخ أبي جعفر الطوسي والسيد المرتضى والنجاشي والكشي والعياشي وعلي ابن إبراهيم وسليم الهلالي والشيخ المفيد والكراجكي والنعماني والصفار وسعد بن عبد الله وابن قولويه وعلي بن عبد الحميد والسيد علي بن طاوس وولده صاحب كتاب زوائد الفوائد ومحمد بن علي بن إبراهيم وفرات بن إبراهيم ومؤلف كتاب التنزيل والتحريف وأبي الفضل الطبرسي وأبي طالب الطبرسي وإبراهيم بن محمد الثقفي ومحمد بن العباس بن مروان والبرقي وابن شهرآشوب والحسن بن سليمان والقطب الراوندي والعلامة الحلي والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم وأحمد بن داود بن سعيد والحسن بن علي بن أبي حمزة والفضل بن شاذان والشيخ الشهيد محمد بن مكي والحسين بن حمدان والحسن بن محمد بن جمهور والحسن بن محبوب وجعفر بن محمد بن مالك الكوفي وطهر بن عبد الله وشاذان بن جبرئيل وصاحب كتاب الفضائل ومؤلف الكتاب العتيق ومؤلف كتاب الخطب وغيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا ولم نعرف مؤلفه على التعيين.
وإذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي أي شئ دعوى التواتر مع ما روته كافة الشيعة خلفا عن سلف وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعادات المتفلسفين وتشكيكات الملحدين * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) * وقد صنف جماعة من القدماء كتبا في حقية الرجعة فمنهم أحمد بن داود بن سعيد الجرجاني قال الشيخ في الفهرست له كتاب المتعة والرجعة ومنهم الحسن بن علي بن أبي حمزة البطايني وعد النجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة. ومنهم الفضل بن شاذان النيشابوري ذكر الشيخ في الفهرست والنجاشي أن له كتابا في إثبات الرجعة ومنهم الصدوق محمد بن علي ابن بابويه فإنه عد النجاشي من كتبه كتاب الرجعة. ومنهم محمد بن مسعود النجاشي ذكر النجاشي والشيخ في الفهرست كتابه في الرجعة. ومنهم الحسن بن سليمان وستأتي الرواية عنه.
(أقول) ولذا تضافرت الأخبار عن الأئمة الأطهار (ع): ليس منا من لم يؤمن برجعتنا ففي الفقيه عن الصادق (ع) قال: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ويستحل متعتنا.
والرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته وقوم من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته وهي عندنا تختص بمن محض الإيمان ومحض الكفر والباقون مسكوت عنهم كما وردت به النصوص الكثيرة ويدل على ثبوتها مضافا إلى الإجماع بل ضرورة المذهب، الكتاب والسنة.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 5
2 التمهيد 9
3 بداية وتوطئة 9
4 نقاط لابد من ملاحظتها 9
5 النقاط المعادة 24
6 الباب الأول: الزهراء ومأساتها 31
7 الفصل الأول: الزهراء (ع) مقامها وعصمتها 33
8 بداية وتوطئة 35
9 متى ولدت الزهراء (ع) 36
10 مريم أفضل أم فاطمة (ع) 41
11 قيمة الزهراء (ع) 45
12 سيدة نساء العالمين 47
13 النشاط الاجتماعي للزهراء (ع) 49
14 الزهراء أم أبيها 59
15 العصمة جبرية في اجتناب المعاصي 60
16 هل للمحيط والبيئة تأثير في العصمة 65
17 إمكانية التمرد على لا بيئة والمحيط 67
18 ألف: زوجتا النبي نوع والنبي لوط (ع) 68
19 باء: زوجة فرعون: 71
20 خلاصة: 75
21 ج: مريم (ع) في مواجهة التحدي 76
22 من نتائج ما تقدم 78
23 الفصل الثاني: الزهراء (ع) والغيب 81
24 الجوانب الغيبية في حياة الزهراء (ع) 83
25 الارتباط الفكري لا يكفي 91
26 تنزه الزهراء (ع) عن الطمث والنفاس 92
27 تأويل النصوص 101
28 هل الزهراء (ع) أول مؤلفة في الاسلام 106
29 هل في مصحف فاطمة (ع) أحكام شرعية 108
30 لا تعارض في أحاديث مصحف فاطمة (ع) 115
31 تصوير التعارض بنحو آخر 117
32 الفصل الثالث: إرهاصات ومحاولات التفاف وطعن في كتاب سليم 121
33 بداية وتوطئة 123
34 نقاط البحث 124
35 فلنسقط نحن قضايانا، قبل أن يسقطها الآخرون 125
36 ناقشت كل العلماء 128
37 انكار وضرب الزهراء (ع) تبرئة للظالمين 130
38 أن لا أهتم لضرب الزهراء (ع) وهو لا يرتبط بالعقيدة 131
39 خلفيات صرحت بها الكلمات 135
40 العقبة الكؤود 136
41 اجتهد فأخطأ 138
42 العمدة هو كتاب سليم وهو غير معتمد 140
43 كتاب سليم معتمد 142
44 منشأ الطعن في كتاب سليم 147
45 الخلاصة 151
46 الفصل الرابع: ماذا يقول المفيد (رحمه الله تعالى)؟ 157
47 توطئة وبداية 159
48 الاستناد إلى أقوال العلماء 160
49 الاجماع على المظلومية 163
50 مراد الشيخ المفيد في كتاب الارشاد 166
51 المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي 171
52 كتاب الاختصاص للشيخ المفيد 178
53 الفصل الخامس: كاشف الغطاء وشرف الدين 179
54 كاشف الغطاء ما ذا يقول؟ 189
55 1 - كاشف الغطاء لا ينكر ما جرى 191
56 2 - ضرب النساء 194
57 3 - قبول الناس بضرب الزهراء (ع) 199
58 4 - احتجاج الزهراء بما جرى 200
59 5 - احتجاج الزهراء (ع) 202
60 6 - ذكر علي (ع) لهذا الامر 203
61 7 - مبررات الاحتجاج غير متوفرة 204
62 8 - لم تذكر الزهراء (ع) أبا بكر بما جرى 205
63 الثابت عند السيد شرف الدين 206
64 شواهد ودلائل أخرى 212
65 الفصل السادس: الحب والاحترام يردعهم 215
66 توطئة وإعداد 217
67 نقاط البحث في هذا الفصل 218
68 خصومتهم لعلي (ع) واحترام الزهراء (ع) 219
69 مكانة الزهراء (ع) عند الأنصار، وعند مهاجميها 220
70 من الذي قال لعمر: إن فيها فاطمة 224
71 أخبار عن احترام الصحابة للزهراء (ع) 227
72 علي (ع) متمرد لابد من إخضاعه 230
73 طلب المسامحة يدل على مكانة الزهراء (ع) 233
74 هل رضيت الزهراء على الشيخين؟ 238
75 تمحلات غير ناجحة 251
76 هل عرف قبر الزهراء (ع)؟ 252
77 جرأة الجاحظ 253
78 دلالة حرجة 256
79 ملاقاة الزهراء للرجال والحجاب 257
80 الفصل السابع: لماذا تفتح الزهراء (ع) الباب؟ 263
81 ماذا في هذا الفصل؟ 265
82 أين هي غيرة علي (ع) وحميته؟ 266
83 أين هي شجاعة علي (ع)؟ 268
84 المخدرة لا تفتح الباب 271
85 لماذا لا يفتح الباب الزبير، أو فضة؟ 273
86 لو أجابهم علي (ع) 276
87 لو أجابتهم فضة 284
88 استطراد، أو مثال وشاهد 285
89 أيخافون من فتح الباب وهم مسلحون؟ 288
90 ألا يدافع علي (ع) عن وديعة الرسول (ص) 291
91 هل ضرب الزهراء (ع) مسألة شخصية؟ 293
92 مسألة فدك سياسية 295
93 على الحاضرين أن ينجدوا الزهراء 298
94 الفصل الثامن: من هنا وهناك 301
95 هل كان لبيوت المدينة أبواب؟ 303
96 لم يدخلوا البيت، فكيف ضربوا الزهراء؟ 308
97 1 - لا تروه عني 309
98 2 - أنا لا أقول، بل علي (ع) 310
99 3 - سماع رواية " ضرب فاطمة " أسقطه 311
100 4 - الطعن على النظام 311
101 5 - تحريف كتاب المعارف 312
102 رواية " قنفذ " تعارض " إجماع " الشيخ " 313
103 لا داعي لمهاجمة الزهراء (ع) وعلي (ع) موجود 316
104 الارتباك والتعارض في الروايات 320
105 النفي يحتاج إلى دليل 325
106 مصادرة الموقف 327
107 هل ثبت عندكم كسر الضلع؟ 327
108 سقوط المحسن لحالة طبيعية طارئة 332
109 هل كان بكاء الزهراء (ع) جزعا؟ 335
110 " بيت الأحزان " وانزعاج الناس بالبكاء 336
111 بيت الأحزان أضرهم ولم ينفعهم 342
112 النهي عن النوح بالباطل لا عن البكاء 343
113 المنع من البكاء على الميت 344
114 التوراة، والمنع من البكاء على الميت 347
115 السياسية وما أدراك ما السياسة 348
116 الفصل التاسع: ولست أدري خبر المسمار 351
117 خبر المسمار 353
118 كتاب مؤتمر علماء بغداد في الميزان 354
119 الأسلوب التعبيري 355
120 ركاكة التعابير 357
121 أخطاء نحوية 357
122 تصحيح خطأ 358
123 ملك شاه: الجاهل المحب للعلم 359
124 رعونة وطيش 359
125 اغتيال الملك ووزيره 360
126 الملك لا يثق إلا بوزيره 360
127 من هم المجتمعون 361
128 مفارقة أخرى لا مبرر لها 361
129 خلافة أم إمامة 363
130 تناقضات لا مبرر لها 363
131 موارد تعوزها الدقة التاريخية 365
132 طريقة الاستدلال أحيانا 367
133 1 - السب واللعن 367
134 2 - شك النبي في نبوته 368
135 3 - أهل السنة وتحريف القرآن 369
136 4 - عبس وتولى 370
137 5 - ايمان الخلفاء الثلاثة 371
138 6 - خيانة أبي بكر كيف تثبت 371
139 7 - شك عمر في النبوة 372
140 8 - لا تجتمع أمتي على خطأ، وقتل عثمان 373
141 9 - حديث العشرة المبشرة 373
142 10 - المتعة لأجل الحصول على المال 375
143 11 - أقيلوني فلست بخيركم 375