ومنهم: عبد الله بن عمر، أبى أن يبايع، وطلب إليه علي أن يكفله لأن يلزم العافية ويفرغ من أمر الناس، فأبى أن يقدم كفيلا، فقال له علي: ما علمتك إلا سئ الخلق صغيرا وكبيرا، خلوه وأنا كفيله.
وأبى البيعة قوم آخرون من هؤلاء الذين اعتزلوا الفتنة، فلم يرد علي أن يستكرههم، ولا أن يعرض أحد لهم بسوء (1). ترك سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأسامة ابن زيد، وترك جماعة من الأنصار على رأسهم محمد بن مسلمة (2).
فكان طبيعيا إذن أن يفكر علي في نفسه، وفيم غلب عليه من حقه، ولكنه مع ذلك لم يطلب الخلافة، ولم ينصب نفسه للبيعة (3) إلا حين استكره على ذلك استكراها، وحين هدده بعض الذين ثاروا بعثمان أن يبدؤا فيلحقوه بصاحبه المقتول، وحين فزع إليه المهاجرون والأنصار من أهل المدينة يلحون إليه في أن يتولى أمور المسلمين ليخرجهم من هذه الفتنة المظلمة.
ثم هو حين قبل البيعة لم يكره أحدا عليها من أصحاب النبي، وإنما قبل البيعة ممن بايعه... (1).
وقال الدكتور محمد عبده يماني: لقد كان يملك الطاقة الخارقة على الصبر والعفو، كما تعلم منذ طفولته في حجر النبوة.
فعندما تخلف بعض الناس عن بيعته أبى أن يذلهم، واكتفى بقولهم عنه: أولئك قوم خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل، تخلفوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل (4).