ورودها، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها (1)، حتى ظننت أنهم قاتلي، أو أن بعضهم قاتل بعض ولدي، فرحت أقلب هذا الأمر بطنه وظهره فلم أجد مفرا من قبول البيعة، والنهوض بأعباءها، وإلا كنت مفرطا في قضاء الحق الذي ناطه الله تعالى بالقادرين على قضاءه للأمة، وقد تمثلت الذين جاؤوا يبايعونني كأنهم لم يجدوا غيري يضعون أماناتهم عندي، ويطالبونني أن أواكبهم إلى إمضاء ما أخذ الله على العلماء، أن لا يقاروا على بطنة ظالم، ولا سغب مظلوم، فعند ذلك بسطت يدي للبيعة عاقدا العزم على المحاماة عنها، مهما يكن الطامعون فيها من الكثرة والقوة، ومهما تكن تبعاتها من الثقل والمشقة، والله المستعان (2).
ونقل الخضري في محاضراته أنه (عليه السلام) قال في جواب طلحة والزبير لما عتبا عليه في ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما:
والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استن النبي (صلى الله عليه وسلم) فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني المسلمين... (3).
وقال الدكتور طه حسين: وقد رفض الخلافة حين قدمها إليه الثائرون، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يعرضونها عليه، ويريدون أن يبايعوه كما بايعوا الخلفاء من قبله... وأقبل الناس فبايعوه، ولكن نفرا أبوا أن يبايعوا، فلم يلح عليهم علي في البيعة، ولم يأذن للثائرين في إكراههم عليها.
من هؤلاء النفر سعد بن أبي وقاص، وهو أحد أصحاب الشورى، أبى أن يبايع، وقال لعلي: ما عليك مني بأس، فخلى علي بينه وبين ما أراد.