مرة: إجلس، إنه عمرو (1) وهو يجيبه: وإن كان عمرو، حتى أذن له.
فمشى إليه فرحا بهذا الإذن الممنوع كأنه الإذن بالخلاص، ثم نظر إليه عمرو فاستصغره، وأنف أن يناجزه، وأقبل يسأله من أنت؟ قال: ولم يزد: أنا علي، قال: ابن عبد مناف؟ قال: ابن أبي طالب.
فأقبل عمرو عليه يقول: يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن، وإني أكره أن أهريق دمك. فقال له علي: لكني والله لا أكره أن أهريق دمك. فغضب عمرو، وأهوى إليه بسيف كان كما قال واصفوه: كأنه شعلة نار، واستقبل علي الضربة بدرقته فقدها السيف وأصاب رأسه، ثم ضربه علي على حبل عاتقه فسقط، ونهض، وسقط ونهض، وثار الغبار، فما انجلى إلا عن عمرو صريعا، وعلي يجأر بالتكبير، وكأنما كانت شجاعته هذه القضاء الحتم الذي لا يوسى على مصابه، لأنه أحجى المصائب، وأقلها معابة ألا يدفع، فكانت أخت عمرو بن ود تقول على سبيل التأسي بعد موته:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد فكانت شجاعته من الشجاعات النادرة التي يشرف بها من يصيب بها ومن يصاب، ويزيدها تشريفا، إنها ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان الأقوياء، فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع عليها علي بغير كلفة، ولا مجاهدة رأي، وهي التورع عن البغي والمروءة مع الخصم، قويا أو ضعيفا