فلما رأى أبو موسى ذلك من هاشم لم يسعه إلا البيعة، فقام وبايع، وقام بعده أكابر أهل الكوفة وساداتهم ومشايخهم فبايعوا لعلي عليه السلام.
قال نصر بن مزاحم في كتاب " صفين ": لما عزم أمير المؤمنين عليه السلام على التوجه إلى صفين لقتال معاوية، قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء: إن يومنا ويومهم ليوم عصبصب: ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب، صادق النية، رابط الجأش، وأيم الله، ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم الأراذل.
قال عبد الله بن بديل: وأنا والله أظن ذلك.
فقال علي عليه السلام: " ليكن هذا الكلام جوابنا في صدوركم لا تظهروه، ولا يسمعه منكم سامع، إن الله تعالى كتب القتل على قوم، والموت على آخرين، وكل آتيه منيته، كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته ".
فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: سر بنا يا أمير المؤمنين، إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله بغير رضى الله، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله، واستولاهم الشيطان، وأوعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم فصل الردى وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة.
أنجزنا موعد ربنا، وأنت - يا أمير المؤمنين - أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأفضل سابقة وقدما، وهم - يا أمير المؤمنين - يعلمون منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء،