مكة، وتشهد محنة أبيها صلى الله عليه وآله، فتر ى الأذى والاضطهاد يقع عليه، وتشهد جو مكة المعادي لبيت النبوة، وتشاهد أباها والصفوة المؤمنة من دعاة الإسلام، والسابقين بالإيمان، يخوضون ملحمة البطولة والجهاد، فيؤثر هذا الجو الجهادي في نفسها، ويساهم في تكوين شخصيتها، وإعدادها لحياة التحمل والمعاناة.
لقد عاشت فاطمة عليها السلام كل ذلك وهي بعد لما تزل صبية صغيرة وعاشت المحنة الأشد مع أبيها، بعد فقد أمها.
فقد بلغ الأمر بأحد سفهاء قريش، أن يغترف غرفة من تراب الأرض ويقذفها بوجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى رأسه، فيتحمل صلى الله عليه وآله هذا الأذى، ويعود إلى بيته صابرا محتسبا وقد لطخ التراب وجهه ورأسه!! يعود إلى بيته وتنظر فاطمة عليها السلام إليه صلى الله عليه وآله فترى ما لحق به من أذى قريش وتماديها في الصلف والغرور، فيحز الألم في نفسها، ويعظم عليها تجرؤ السفهاء والمغرورين من طغاة الجاهلية ومتكبريها على رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم تقوم لأبيها، وتنفض التراب عن رأسه ووجهه، وتأتي بالماء وتغسل وجهه الكريم، ولم يمر هذا المشهد المؤلم دون أن يؤثر في نفسها، فيستبد بها الحزن والألم على القائد رسول الله أبيها صلى الله عليه وآله، فتبكي وتتألم لجرأة هؤلاء الجاهلين الطغاة على رجل يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم سبيل الهدى والرشاد.
ويؤثر موقف فاطمة عليها السلام في نفس أبيها، ويشعر بحرارة الألم تمس قلبها، فيحاول صلى الله عليه وآله أن يخفف عنها، ويحثها على التجلد