والتحمل، فيمد يديه الكريمتين، ويضعهما على رأسها، فيمسه برقة وحنان، وهو يقول لها: " لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك، وناصره على أعداء دينه ورسالته " (1).
وشاء الله تعالى غير ذلك، فأمره صلى الله عليه وآله بالهجرة والانتقال من أرض مكة إلى يثرب، فهاجر صلى الله عليه وآله كما هاجر إبراهيم وموسى عليهما السلام من قبل، خرج صلى الله عليه وآله من مكة مستخفيا بظلام الليل، تاركا وطنه وأحباءه وأهله، وفيهم فاطمة عليها السلام ابنته الحبيبة، وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام، عونه وسنده، وسيفه الضارب المقدام، وفدائيه الشجاع، لقد ترك عليا عليه السلام نائما في فراشه، وأوصاه أن يرد الأمانات التي كانت عنده صلى الله عليه وآله إلى أهلها، ثم أمره أن يلتحق به، أن يهاجر إلى يثرب، ويصطحب معه أهل بيته، وينفذ علي عليه السلام الوصية، ويشتري الركائب لحمل النسوة، ويجمع أهله وعياله، ويلتئم شمل الركب الهاشمي المهاجر بقيادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فيضم الفواطم: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وآله، وفاطمة بنت أسد بن هاشم عليها السلام - أم الإمام علي عليه السلام - ومربية رسول الله صلى الله عليه وآله، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفاطمة بنت حمزة، والتحق بهم أيمن، وأبو واقد الليثي.
ويمضي الركب عبر صحراء الجزيرة يغذ السير، ويصحر في وضح النهار، بتحد واستهانة بكبرياء قريش وغرورها، فإنه يستظل بسيف علي بن أبي طالب عليه السلام قاهر الجاهلية، ومحطم أصنامها وصلفها، خرج علي عليه السلام بالركب، لا كما خرج غيره من المهاجرين المستضعفين تحت جنح الظلام، أو