ومكن الناس كلهم شاميهم وعراقيهم أن يستمعوا إلى الحاكم الأموي الأعلى في يوم " ساباط " ذاته وهو يفضح خطبته، ويعلن هدفه، ويكذب دعاواه الطويلة العريضة التي خادع الناس بها طوال السنين.
أن يستمعوا إليه، وهو يقول لهم: إنه لم يقاتلهم ليصوموا ولا ليصلوا ولا ليحجوا ولا ليزكوا، لم يقاتلهم ليقيم ركنا من أركان الإسلام هم تاركوه، إذن، فعلى ماذا أطلت الدماء؟ ولماذا رفعت المصاحف؟ بل ولماذا هتف بدم عثمان؟
إنه قاتلهم ليتآمر عليهم، فأعطاه الله ذلك وهم كارهون.
هذه هي الغاية، وكل ما سواها فوسيلة، حتى القرآن لما رفعه يوم " صفين ". نعم، حتى القرآن فقد كان وسيلة لا غاية. وحتى دم عثمان.
إنما هي القوة والإمرة على الناس وهم راغمون كارهون.
مكن الإمام الحسن عليه السلام للناس كلهم، شاميهم وعراقيهم، أن يستمعوا إلى معاوية، يقول لهم هذا بصراحة لم تعهد له في يوم من الأيام، ولقد كان هذا وحده سببا كافيا للإتيان على بناء دولته من القواعد لو كان في البصائر والضمائر بقية من نور.
وتلك الحوادث والأعمال والأقوال من معاوية، ومن عماله وبطانته، تشرح المجمل، وتضع النقاط، وتكشف المستور من مناهج هذه الدولة.
ومواقف الحسن عليه السلام وأقواله وسيرته إلى جنب ذلك تعرف الناس سبيل الهدى الذي اجتنبوه، ومناهج العدل الذي خذلوه، والناس تسمع وتبصر وتعي وتزن، بملء أسماعها وأبصارها وأذهانها وعقولها.
فأي إجراء إسلامي يستطاع في تلك الظروف هو أكبر من ذلك وأجدى