سوف يكون معرضا للنسيان، وقد كان لا محالة يحس بذلك فيضيق صدره، لذلك تراه يسعى وراء رفع هذه الشبهة بمختلف التعبير، فتارة يقول: شغل أصحابه الصفق بالأسواق والعمل بأموالهم كما عرفت، وتارة يقول: قلت للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال صلى الله عليه وآله: " أبسط رداءك " فبسطته، قال: فغرف بيده، ثم قال: " ضمه " فضممته فما نسيت شيئا بعده (1).
وإنك ترى أن هذا الحديث أدل دليل على كذبه إذ أن الحفظ ليس بمرأى ليضمه رسول الله صلى الله عليه وآله في رداء أبي هريرة، ثم يأمره بضمه، وإنما هو وجود معنوي يحس به الإنسان كما يحس بسائر الأشياء الوجودية التي لا تدرك بالبصر - كالإرادة والكراهة والجوع والعطش - وغير ذلك.
ولو أن أبا هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دعا له بالحفظ لأمكن تصديقه لأن ذلك غير خارج عما يتصوره العقل، بل يكون حال هذه الدعوة حال غيرها من الدعوات التي كان يدعى بها لأصحابه من الشفاء، والتأييد، وتثبيت اللسان وغير ذلك مما هو مستفيض عنه صلى الله عليه وآله، وأن الأحاديث الدالة على كذبه كثيرة وكثيرة جدا، فإنك بينما تراه يقول: كنت ألزم النبي صلى الله عليه وآله بشبع بطني حين لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة وألصق بطني بالحصباء (2)، إذ تراه يحدث فيقول: أبق غلام لي في الطريق، فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وآله فبايعته فبينما أنا عنده إذ طلع الغلام، فقال النبي صلى الله عليه وآله: " هذا غلامك "، فقلت: هو