ونمت، كأني في درب من دروب الكرخ فيه حجرة محمرة بالساج مبيضة بالأسفيداج مفتوحة الباب وعليه نساء وقوف فقلت لهم: ما الخبر؟ فأشاروا إلى داخل الدار وإذا امرأة شابة حسناء بارعة الجمال والكمال وعليها ثياب بياض مروية من فوقها إزار شديد البياض قد التفت به وفي حجرها رأس يشخب دما. ففزعت، وقالت: لا عليك، أنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا رأس الحسين صلوات الله على الجماعة فقولي لابن أصدق حتى ينوح:
لم أمرضه فأسلو * لا ولا كان مريضا وانتبهت مذعورة.
قال أبو الحسن: وقالت العجوز: " أمرظه " بالظاء لأنها لا تتمكن من إقامة الضاد، فسكنت منها إلى أن عاودت نومها.
وقال أبو القاسم: ثم قال لي مع معرفتك بالرجل فقد حملتك الأمانة في هذه الرسالة، فقلت: سمعا وطاعة لأمر سيدة النساء رضوان الله تعالى عليها.
قال: وكان هذا في شعبان والناس إذ ذاك يلقون أذى شديدا، وجهدا جهيدا من الحنابلة، وإذا أرادوا زيارة المشهد بالحائر، خرجوا على استار ومخافة، فلم أزل أتلطف في الخروج حتى تمكنت منه وحصلت في الحائر ليلة النصف من شعبان، وسألت عن أصدق فدللت عليه، ودعوته وحضرني. فقلت له: إن فاطمة عليها السلام تأمرك أن تنوح بالقصيدة التي فيها:
لم أمرضه فأسلوا * لا ولا كان مريضا فانزعج من ذلك وقصصت عليه وعلى من كان معه عندي الحديث، فأجهشوا بالبكاء وناح بذلك طول ليلته وأول القصيدة:
أيها العينان فيضا * واستهلا لا تغيضا وهذه الحكاية ذكرها غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم المعروف بابن الصابئ في كتاب " الربيع "، وذكر أن أباه الرئيس هلال بن