من أولها إلى آخرها، وذهبت غضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها، فما كان إلا يسيرا حتى بلغنا مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا، فانقطع ثمرها، فلم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا ونستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك مدة وبرهة طويلة، ثم أصبحنا يوما وإذا بها قد أنبعت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابل يقطر ماء كماء اللحم، فعلمنا أن قد حدث حدث عظيم، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا نداء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة وضجة وسمعنا صوت باكية تقول:
يا بن الوصي ويا بن البتول * ويا بقية السادة الأكرمينا ثم كثرت الرنات والأصوات، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين بن علي عليهما السلام، ويبست الشجرة، وجفت وكسرتها الرياح والأمطار بعد ذلك، فذهبت واندرس أثرها.
قال أبو محمد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فحدثته هذا الحديث فلم ينكره، وقال: حدثني أبي عن جدي عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية أنها أدركت تلك الشجرة وأكلت من ثمرها على عهد علي ابن أبي طالب، وأنها سمعت في تلك الليلة نوح الجن فحفظت من قول جنيد منهن قالت:
يا بن الشهيد ويا شهيد عمه * خير العمومة جعفر الطيار عجب لمصقول أصابك حده * في الوجه منك وقد علاك غبار