شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٧ - الصفحة ٣٠٩
المسلمين.
فخلاصة التفسير السياسي لموقف المتوكل من المعتزلة أنه أراد أيثبت دعائم ملكه بتأييد الجمهور الأعظم من المسلمين. ولا يعترض على هذا التفسير بهدم المتوكل لقبر الحسين. لأن هذا التصرف يدور في نطاق هذا التفسير أيضا، وهو تثبيت دعائم ملكه بالقضاء على مصدر تجمع قد يصح أن يكون مغرسا لثورة خطيرة ضده أو ضد خلفائه في مستقبل الأيام.
إلى أن قال:
ويؤيد " باتون " رأيه بموقف المتوكل من العلويين وهدمه قبر الحسين، ذلك أن المتوكل من وجهة - نظر باتون - لو كان حريصا على تملق مشاعر الجماهير ليظفر بتأييدها لما أقدم على هدم قبر الحسين، لأنه كان يعرف أن هذا العمل سيهيج مشاعر المسلمين، فهدمه قبر الحسين واضطهاده العلويين يعكس إيمانه بآراء دينية معينة وتعصبه لها، ويعكس في نفس الوقت حرصه ألا يتنازل عن هذه الآراء ولو ترتب على ذلك انقضاض الجماهير من حوله.
ثم قال:
الحق أنه من غير الممكن قبول تفسير " باتون " وهو التفسير الديني إلا إذا توفرت أدلة أقوى تؤيده، وإن شخصية المتوكل ذاتها لا تسمح بالتسليم بهذا الرأي، وقد كان موقفه من العلويين لا يتسم بالتعقل ولا بالحرص على السنة، لأن الحرص على السنة لا يسمح له ببغض علي بن أبي طالب ولا باضطهاد ذريته، كما أن القسوة المتطرفة التي كان يتسم بها المتوكل أحيانا تمثل مغمزا خطيرا في شخصيته يجعل الحكم عليه بأنه كان يصدر في تصرفاته عن حرص على السنة قابلا للمراجعة. ولعل الطريقة التي قتل بها محمد بن عبد الملك الزيات تقدم مثالا لهذه القسوة.
وعلى هذا فإن موقف المتوكل من العلويين وهدمه قبر الحسين لا يصح أن يكون دليلا على وجهة نظر " باتون "، ذلك أن هذا العمل من المتوكل - كما تقدم - كان يهدف منه إلى القضاء على بؤرة الثورة ضده لدليل أنه " أمر ألا يتوجه أحد لزيارة قبر من قبور العلويين " قبل أن يهدم قبر الحسين.
وقال الفاضل الأمير أحمد حسين بهادرخان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه " تاريخ الأحمدي " (ص ٣٥٢ ط بيروت - سنة ١٤٠٨):
وفي الكامل قال: وفي سنة ست وثلاثين ومائتين أمر المتوكل بهدم قبرالحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره حبسناه، فهرب الناس وتركوا زيارته.
وقال الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في " علي إمام الأئمة " (ص ١٤٩ ط دار مصر للطباعة):
وثانية البليتين مقتلالحسين بن علي رضي الله عنهما يوم الجمعة لعشر خلون من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة. ولو أن أمر البلية بمقتله وقف عند القتل وحده لقال الناس رجل خرج يثأر لأبيه وأخيه فقتله أهل البغي والإجرام، فكانت المصيبة بذلك أدنى إلى العزاء عنها والتجمل فيها، ولكن الذي يضاعف من وقعها على النفوس ويساير نكرها في التاريخ ما تتخاشع به أبصار وتتخاضع له أعناق، وهو أن يفقد قاتلوه شرف المروءة وكرم الدين فينبشوا قبره.. وقد كان من أخلاق الأشراف ألا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح.
لقد فعل بنو العباس ذلك حتى قال شاعر عربي:
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيه مظلوما فلقد أتى ابن بني أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على ألا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما ثم لو أن قتل الحسن بالسم والحسين بالسيف لم يكن خالطه هذا الصغار من محاربة القتلى في قبورهم، وقتل الذين لا حول لهم ولا حيلة من أصحاب الحسين، لكان لذلك التصرف وجه يحتمل الحديث. ولكن فقدان المروءة وهو أن الدين جعلهم يحاربون الحسن ميتا وينبشون قبر الحسين دفينا، ثم يجمعون إلى هاتين الرذيلتين رذيلة ثالثة تأباها العروبة ويرفضها الاسلام، وهي أن يقتل غير المقاتلة من نساء ورجال. فقد روى الثقات عن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين أنه كان دائم الحزن شديد البكاء، وذات يوم قال له قائل: إنك شديد الحزن كثير البكاء فهلا هونت على نفسك؟ فقال رضي الله عنه: إن يعقوب عليه السلام بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف. ولم يكن علم أنه قد مات. ولقد رأيت أنا بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة يوم واحة. أفترى حزنهم يذهب من قلبي؟
هذا بعض ما يتعلق بالذين استشهدوا من آل البيت النبوي الشريف. وأما ما يتعلق بالذين اختفوا في البيوت أو شردوا في الآفاق خشية ظلم بني العباس، فإليك ما يشير إلى ذلك دون استيعاب أو أطناب..
وقال أيضا في ص ١٥٤:
وإليك بعض ما قاله ابن الرومي في صدد نبش قبر الحسين على صورة يحتقرها ذو المروءة ويغضب لها صاحب الدين. وقد روى هذا الشعر الأستاذ السيد أحمد صقر محقق كتاب مقاتل الطالبيين:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج * طريقان شتى: مستقيم وأعوج أكل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج تبيعون فيه الدين شر أئمة * فلله دين الله قد كان يمرج أكلكمو أمسى اطمأن مهاده * بأن رسول الله في القبر مزعج نظار فإن الله طالب وتره * ليالي لا ينفك منكم متوج وإني على الاسلام بعد لخائف * بوائق شتى بابها الآن مرتج