ولماذا ترفع اليد عن حضانة أولادها، وتفرغ منهم حجرها، وترضى بيتمهم، وهم بعد ما شبوا وما زهوا؟
ولماذا تأنس بذبول أورادها أوراد آل محمد وهي في بدو النضارة ولم تحظ بعد من تلكم الأزهار؟ ولماذا تعيف أنوار حقلها الزاهي ولم تفتح بعد أكمامها؟
ولماذا تحب فراق بعلها، وتدع حبيبها أليف الأسى والهم والجوى، حزنه بعدها سرمد، وليله في فراقها مسهد؟
ولماذا ذلك الفرح والجذل من اقتراب الأجل ودنو الموت؟
إن كل هذه إلا تخلصا من هول تلكم النوائب التي كانت تعلمها أخذا من أبيها الصادق المصدوق، ولم تك فاطمة (سلام الله عليها) تتصور لنفسها منجى ومرتجى وملجأ تثق بالطمأنينة لديها، وسكون الخاطر في حماها غير جوار ربها الكريم، والغض عن هذه الحياة ومرارتها وحلاها.
ماذا تصنع فاطمة بالحياة وهي ترى أباها (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته حليف الشجون؟ قد قضى حياته بعين عبرى، وقلب مكمد محزون، وزفرة وحسرة ولهفة دفينة بين جوانحه كمدا على أهل بيته، يقيم لحسينه السبط المأتم من لدن ولادته وهلم جرا يوم كان رضيعا وفطيما وفتيا، وقد اتخذ الله بيوت نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار حزن وبكاء منذ ولد ريحانة رسول الله الحسين العزيز، يأتي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ملائكة ربه أفواجا زرافات ووحدانا، حينا بعد حين، مرة بعد أخرى، بين فينة وفينة، ينعون الحسين، ويأتون إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربته الحمراء ممثلين بذلك مصرعه ومقتله.
هذه مواقف تاريخية إسلامية هامة سجل لنا التاريخ منها شطرا وإن لم تبق لنا الظروف الغابرة منها إلا النزر اليسير، فإليك نبذة منها: