مدى حياته يبدو الحزن والكآبة في أساريره بحكم الطبيعة، والشجو والأسى لا يفارقانه، كان منغص العيش يسر الزفرة، ويخفي الحسرة، ويجرع الغصة.
ومهما وجد جوا صافيا يعالج لوعة فؤاده، ويطفي لهفة قلبه، ويخمد نائرة الحزن بأن يضم أحدا من أهله على صدره، ويشمه ويقبله، ساكبا عبرته، باكي العينين، وفي لسانه ما يتسلى به خاطره.
فتراه يلتزم عليا سيد عترته وابن عمه وأبا ولده في قارعة الطريق ويقبله ويكرر قوله: بأبي الوحيد الشهيد، كما أخبرت بذلك السيدة عائشة أم المؤمنين فيما أخرجه عنها الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، وأخذه عنه جمع من الأعلام، وقد ذكرناهم في كتابنا الغدير.
وأخرج الحفاظ بأسانيدهم الصحيحة عن ابن عباس قال:
خرجت أنا والنبي (صلى الله عليه وسلم) وعلي (رضي الله عنه) في حيطان المدينة، فمررنا بحديقة فقال علي (رضي الله عنه): ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله؟ فقال: حديقتك في الجنة أحسن منها. ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته، ثم بكى حتى علا بكاه. قيل: ما يبكيك؟ قال: ضغاين في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني.
وفي لفظ عن أنس بن مالك: ثم وضع النبي رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله؟ (صلى الله عليك) قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا.
الحديث. وفي لفظ عن أمير المؤمنين: فلما خلا لي الطريق، اعتنقني ثم أجهش باكيا، قلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي. الحديث (1).